المرأة في قانوننا ليست بالغة راشدة!!
ربا الحمود
2009/ 04/ 18
انتظرا مرور خمسين يوما على وفاة والدها ليقوما بعقد قرانهما والبدء بحياتهما معا بعد حب هادئ استمر اشهرا اتفقا بها على الارتباط والزواج..
وجاء ذلك الصباح الذي انتظرته طويلا.. شربا القهوة معا في منزل عائلتها.. باركت لهما أمها وكذلك أخواتها البنات.. بينما أخيها الوحيد كان بعيدا عن كل مراسم فرحها الصامت الخجول.. فقد كان معارضا زواجها ممن اختارته بإرادتها وعقلها وقلبها وبمباركة عائلتها ووالدها قبل ان ينتقل إلى العالم الأخر قبل أسابيع مضت ..
تشابكت يديهما ونزلا معا إلى القصر العدلي الذي سيتوج ارتباطهما, وكانت تشعر بأن كل خطوة تخطوها إلى المحكمة الشرعية, تقربها من حلمها الذي رسمته طويلا في مخيلتها..
دخلا معا إلى المحكمة الشرعية وبيده - خطيبها - كامل الأوراق اللازمة ضمن إضبارة الزواج خاصتهما..
أمسك الموظف المختص الاضبارة وتأكد من استكمالها لكامل أوراقها وأردف :
" بقي حضور ولي أمر الفتاة"
أجابته الفتاة بلا تردد :
" والدي متوفي "
فوجه الحديث إلى الشاب :
" من هو إذا ولي أمر الفتاة بعد الأب, هل لديها أخوة ذكور"
استغرب الاثنان طلب الموظف وحاول الشاب لفت نظر الموظف إلى أن خطيبته قد بلغت سن الرشد بسنوات وهما مخطوبان بشكل رسمي, وهما الآن هنا لإتمام عقد زواجهما!!
لم يعر الموظف أدنى اهتمام لحديثيهما, فتوجها إلى القاضي الشرعي للاستفسار عن عدم قبول الموظف توثيق عقد الزواج بدون حضور ولي أمر الفتاة الحالي..
أعطى القاضي لهما بعضا من وقته الضيق واخبرهما بأن (الفتاة البكر) لاتملك أن تزوج نفسها قانونا دون موافقة وحضور ولي أمرها مهما بلغت من العمر وحاليا يتم التشديد على هذا الموضوع استنادا للقانون, حيث لايتم عقد قران بدون إذن ولي الأمر!!
وذلك حسب ما نصت عليه المادة (21) من قانون الأحوال الشخصية السوري:
" الولي في الزواج هو العصبة بنفسه على ترتيب الإرث بشرط أن يكون محرما"
كما أردف بأن الزوجين المتزوجين بشكل عرفي, فيما لو أرادا تثبيت عقد زواجهما في المحكمة فذلك أيضا يستوجب موافقة وحضور ولي الأمر, حتى لو كانت المرأة المتزوجة عرفيا حامل..
وقف الخاطبين والذين وصلا إلى مستوى علمي وثقافي لا يستهان به عاجزين أمام مبنى القصر العدلي غير قادرين على ربط حياتهما ومصيرهما ضمن عقد زواج خاص بهما!!
عادت الفتاة إلى منزلها خائبة.. مستغربة.. متفاجئة بضعفها أمام المجتمع والقانون والأسرة !!
اعتراها شعور الخذلان والعجز المعنوي أمام شخصيتها وثقتها بنفسها وذاتها..
استغربت عدم قدرتها على إتمام عقد زواجها برغم أنها أصبحت في السادسة والعشرين من عمرها, وأنها حاصلة على شهادة جامعية + دبلوم , وتعمل منذ أكثر من خمس سنوات وتحقق لنفسها الاكتفاء الذاتي ماديا بل وتساهم ببعض منه في المنزل !!
لابل عليها أن تحصل على موافقة أخيها الذكر الوحيد في العائلة والذي بلغ سن الثامنة عشرة منذ عدة اشهر عدا عن انه لم يحصل إلا على شهادته الابتدائية رغما عنه تطبيقا لتعليمات وزارة التربية لمحو الأمية !!
دخلا في معترك طويل من الإشكالات وخاصة بعد باءت محاولتهما بالفشل بأن يكون أحد أعمامها وكيلها في العقد نظرا لوجود الأخ الذي يحجب الأعمام استناد للمادة نفسها فترتيب الإرث يكون للأخ أولا ثم للأعمام.
والأخ يحجب الأعمام في الإرث كما قي الولاية لإتمام عقد الزواج..
تكبدت عناء طويلا مع أمها وأخواتها البنات الستة بإقناع الأخ الأصغر بينهم ( الذكر) بالموافقة وبضرورة تأكيد موافقته بحضوره إلى المحكمة ليدلي بهذا التصريح المصيري أمام القاضي الشرعي في المحكمة!!
هذا هو قانوننا المطبق في الألفية الثالثة, وهذا هو التشديد الذي تم التأكيد عليه!!
وأي تشديد!!
هذه هي قوانيننا التي تحرمنا من حقوقنا الشخصية في القرن الواحد والعشرين..
كنساء.. لا نملك أدنى مواطنة في بلدنا.. ولا حتى مقدارا ضئيلا من الحقوق التي نص عليها الدستور!!
فالمرأة تستطيع إبرام أي عقد تجاري او خلافه من العقود الأخرى التي تتفرع عنها لكن حين نصل إلى المستوى الشخصي البحت, نكون غير قادرات على تقرير حقوقنا الطبيعية والشرعية بإبرام عقد زواج مع شريك حياتنا!!
بل لابد من وجود موافقة لولي الأمر بغض النظر عن العمر والمستوى التعليمي والثقافي للطرف الآخر !!
كنتيجة طبيعية لهذه القوانين, ولاحقا لهذا التشديد..
المرأة في قانوننا ليست بالغة راشدة!! ومهما تقدمت بها السنون ووصلت إلى أعلى المراتب العلمية والثقافية, فإنها ستقف عاجزة عن إتمام عقد يتعلق بحياتها الشخصية!!
فهي قد تصل ربما إلى سن الثلاثين أو أكثر ولا تستطيع إلا ان يكون لها إذن مسبق من ولي أمرها لعقد زواجها, بينما فيما لو وجد لديها أخ ايا كانت صفته فهو وليها بعد والدها وقبل أعمامها!!
وليها.. حتى لو كان اصغر منها بسنوات.. واقل منها تحصيلا علميا او ثقافي!!
ولسخرية هذه القوانين أيضا.. فان نسائنا قد تصل إلى مناصب حساسة جدا في الدولة ويكون على عاتقها تحمل مسؤولية استصدار قرارات مصيرية لكن حين العودة إلى قرار الزواج فهي بحاجة إلى ولي الأمر!!
فالقاضية التي تأخذ على عاتقها الحكم بين الناس في خصوماتهم, وفي أمور حياتهم وأشغالهم وأعمالهم, غير قادرة على إبرام عقد زواجها بنفسها.. بل عليها طلب إذن ولي أمرها!!
ماهو التفسير القانوني والمنطقي لفتاة بلغت سن الرشد وغير قادرة على إبرام عقد زواجها بنفسها؟!
وماهو الفرق إذا بين الفتاة القاصر التي لم تبلغ سن الرشد والفتاة البالغة الراشدة!!
أم أن المرأة السورية ستبقى قاصرة في نظر قوانيننا, وستظل مطالبة بالرضوخ والواجبات ومن ثم الواجبات, بينما لامكان بين أولوياتها كمواطنة سورية لأي حقوق!!
تعديل بتكبير الخط فقط
إسماعيل حسن سيفو
10 ـ 6 ـ 2009