قال الفرنسي (جاك بريل): إذا أردت أن تقتل إنساناً فلا تقتله رمياً بالرصاص ولا تقتله بحبل المشنقة ولا تسقه كأساً من السم بل اجعل منه بطالاً يتجول كجثةٍ متنفسة في شوارع المدن الكبرى.
الإنسان العاطل عن العمل سيكون عالة على المجتمع وعلى أسرته لذلك يجب البحث عن الطرق والوسائل التي تجعل منه إنساناً بكل معنى الكلمة.
عرفت منظمة العمل الدولية العاطل بأنه: كل من هو قادر على العمل وراغب فيه ويبحث عنه ويقبله عند مستوى الأجر السائد ولكن دون جدوى.
والبطالة لا تأتي بصورة واحدة، فلها أوجهها المختلفة والتي تبدو جلية، حيث يمكن أن نشير إلى ثلاثة أنواع رئيسية للبطالة وهي:
1- البطالة الدورية (البنيوية): والناتجة عن دورية النظام الرأسمالي المنتقلة دوماً بين الانتعاش والتوسع الاقتصادي وبين الانكماش والأزمة الاقتصادية التي ينتج عنها وقف التوظيف والتنفيس عن الأزمة بتسريح العمل.
2- البطالة الاحتكاكية: وهي ناتجة عن تنقل العمال ما بين الوظائف والمناطق أو نقص المعلومات فيما يخص فرص العمل المتوفرة.
3- البطالة المرتبطة بهيكلة الاقتصاد: وهي ناتجة عن تغيير في هيكل الطلب على المنتجات أو التقدم التكنولوجي أو انتقال الصناعات إلى بلدان أخرى بحثاً عن شروط أفضل من أجل ربح أعلى.
يبقى تحديد الأسباب التي على اساسها بدت هذه الظاهرة الخطيرة، يبقى خارج غطار الشمولية، لسرعة إيقاع الحياة الإجتماعية والاقتصادية وحتى النفسية، فتنحصر الأسباب بمرحلة راهنة قد تتغير وتتزايد وتتواجد كلها وقد تقل أو تتمركز حول سبب واحد في بعض المجتمعات، ومنها:
1- التزايد السكاني: أي عدم كفاية الاستثمارات لاستيعاب العمال.
2- التقدم التكنولوجي: إن التقدم العلمي التقني والأتمتة يمكِّن مالكي وسائل الإنتاج من الاستغناء عن الملايين من الأيدي العاملة.
3- إلا أن السبب الرئيسي يعود إلى: ارتفاع التركيب العضوي لرأس المال، ويعبر عنه:
التركيب العضوي لرأس المال= رأس المال الثابت/ رأس المال المتحول+ رأس المال الثابت
وقد تبدو ظاهرة البطالة وللأسف بقوة وبشكل واضح عند أولئك الذين أرهقوا سنين شبابهم في البحث والدراسة للحصول على شهادة كانت يوماً سلاحاً في وجه الفقر، أما اليوم فغدت حرقةً على الجدران لا تحمل في طياتها غير انتظار الفرج، وهذا النوع من البطالة هو ما يثير الدهشة حقاً، إنها بطالة حاملي الشهادات العليا، حيث تعتبر بطالة حاملي الشهادات «ذوي لتكوين العلمي العالي» ظاهرة متأخرة بالمقارنة مع البطالة الكلاسيكية حيث اعتبر التعليم العالي ومدة طويلة بمثابة الضامن للحصول على عمل لائق وهو ما يفسر الإقبال على التعليم العالي في الدول الصناعية وكذلك بالنسبة للدول النامية ففي السنوات السابقة كانت الإدارة والتعليم والصحة والمؤسسات العمومية تستوعب جميع الخريجين رغم ظهور البطالة في بعض الدول لكنها محدودة العدد والمدة.
وحين يحمل الشباب هموم هذه الظاهرة على عاتقهم ويبحثون منفذاً للخلاص فيسعون وراء مشروعات صغيرة تحضن الخطوة الأولى، تبدأ الصعوبات بالظهور، وأولها التمويل، فالعقل المفكر موجود والتخطيط موجود لكن يبقى الأهم (رأس المال)، ومن الصعوبات التي تعترض تمويل المشروعات الصغيرة:
أ- عدم كفاية هيئة مكافحة البطالة لوحدها لذلك.
ب- التطبيق المصرفي الروتيني للقانون.
ت- صعوبات مصرفية تتجلى في الأداء البيروقراطي للمصارف.
ث- صعوبة الضمانات إذ أن شريحة كبيرة من العاطلين عن العمل لا تملك ضمانات.
ج- صعوبات إدارية تعترض عمل الهيئة.
و هذا كله سيؤدي إلى هجرة الكفاءات العلمية والمهارات والخبراء في الإنتاج والمصارف والفنيين.
أما طريق التنمية والذي يسعى لخلق مجتمع يقوم على ظواهر من التطور والاكتفاء وتخفيض المظاهر السلبية والمعيقة للمجتمع، فقد قدم البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة تعريفاً للتنمية -كنقطة علامة للبدء- على أنها:
(تنمية الناس من أجل الناس بواسطة الناس، وتنمية الناس معناها الاستثمار في قدرات البشر سواء في التعليم أو الصحة أو المهارات حتى يمكنهم العمل على نحو منتج خلاق، والتنمية من أجل الناس معناها كفالة توزيع ثمار النمو الاقتصادي الذي يحققونه توزيعاً عادلاً واسع النطاق، والتنمية بواسطة الناس إعطاء كل امرئ فرصة المشاركة فيها).
وقد قدم هذا البرنامج للتنمية بعض المقترحات:
1- تشجيع الإقراض المصرفي للمشروعات الصغيرة.
2- تخفيض معدلات الفائدة للتشجيع على الإقراض من أجل الاستثمار.
3- تحقيق العدالة الضريبية.
4- قيام الدولة بمشروعات اقتصادية كبيرة يعجز القطاع الخاص عن إنجازها.
5- تحسين مستوى المعيشة والقضاء على التفاوت في الدخول والثروات، وتعديل مسار الحراك الاجتماعي، باتجاه تدعيم الطبقة الوسطى ورفع مستوى الفئات الفقيرة.
6- تخفيض معدلات البطالة وتأمين فرص عمل لجميع القادرين عليه والراغبين فيه وخاصة المحتاجين إليه.
7- تمكين أفراد المجتمع من المشاركة في إدارة أمورهم وصنع القرارات الخاصة بهم.
8- تطوير مكافحة البطالة إلى وزارة للمشروعات الصغيرة ومكافحة البطالة.
لا أود من طرحي هذا الغناء في الطاحون، ولا الطرق على طبلة فارغة، ولا التفلسف والتزلف، بل فقط وضع اليد على جرح بدأنا نتعامل معه وكأنه مألوف التواجد، وعقيم الحلول، دعونا نستعرض هذه النقاط بوتيرة هادئة، ونبحث عن أصحاب رؤوس الأموال المكدسة في البنوك، والذين يضعون أموالهم في المنتزهات والمقاصفو..إلخ..
كونها تدر أرباحاً سريعة وطائلة -بكل أسى- ليتهم يثقون بقدرات الشباب الطالع، وكم سيساعدون هذا المجتمع والوطن بردع الشباب عن المخدرات والملاهي والدراجات النارية المفزعة، بضبط هذا الشاب الجموح في إطار عمل منظم ومردود على قدر الجهد، وحينها سيربحون أيضاً بالإضافة إلى الأموال، الإنسان نفسه..
لا تلقوا العبء فقط على القطاع العام، والميزانيات، وتعتبروها شماعة لتعليق خيبات الشباب العربي ككل..
أتمنى طرح الحلول أو القراءة أضعف الإيمان.