رنة ُ حزن ٍ للكاتب :سليمان فاضل الشيخ ياسين
1
صديقي
كتبتُ بعدك الشجنَ في الفراغ.!!
فكنت الربيع لي والشذا والعطرَ والياسمينَ !!
شرقتُ بالدمع ِ السخين ِ.!
دمع ِ صمتٍ حجري ٍ تخثــّـر في الداخل ِ
كنت المكفكفَ . !!!!!
تثاءبَ الموتُ و حملق َ في الوجوهِ !
مدَّ أصابعَه المنهومة الحمرَ .!!
وجّه صوبَك سهاماً وجيعهً قاتله.
فتلخصت الحياة ُ بسرعةٍ.!!
يا للموتِ من صيادٍ ماهرٍ مَوْتورٍ.!!!
صار النهارُ ليلا ً.!
واستطالَ الظلُ في الظهيرة !!
وافترقنا.. ومن ثم .. !!!
تسربلنا بآهات ِ الخُلص ِ من الأصدقاء ما أكثرهم.!!
بحثتُ عن طيور الأسى لتندبَ بترتيلاتِها الجنائزيةِ الفقيدَ
فما وجدتها في كهوفها الترابيةِ في المملكة مدمرة ...
رنةُ حزن ٍ شاعتْ.!!
وفي الطلل ِ نعَبَ بومٌ أحدبُ كوابيسَهُ اللائمة !!
أنـًّتِ الأشجارُ في الغابةِ أنينَ غرابٍ مفجوع ٍ.
فوجهتْ ريحُ البعدِ السحبَ المسافرة َ للعطاءِ إلى الهاوية
فنَّدْت صرخة ُ ألم ٍ مخنوقة ٍ
واشتعل الصدرُ حرارة ً، باردة و تارةً حارة
وتساقطتْ نجوم الأمل المشتعلةِ منطفئة ً
2
صديقي
كنا قرأنا معاً "وليم شكسبير" سونيناتِه (توشيحاته) منها قال:
"إمّا أنْ أعيش لأكتب َ شاهدة قبرك، أو تبقى أنت بعدي
وأنا أتفسخ ُ في الثرى؛ وإنَّ الموتَ عاجزٌ أن يمحوَ ذكركَ؛ أمّا أنا فإن كلَ شيءٍ
مني سيُنسى".
الفِقرة ُ ملأى بالوفاء و الغيرية ونكران الذات!!!
ألم نكن هكذا فقيدَنا؟!!
وقال وليم أيضاً:
"أتحسر على أشياءُ كثيرةٍ، سعيتُ إليها ولم أنلْها و أندبُ، وقد
تجددتْ ويلاتٌ قديمةٌ؛ كلُّ غالٍ عليَّ دمّره الزمن. وعندما أُغرقُ عيناً لم تعتدْ
الفيضَ ( في الدمع ) على أصدقاء غالين خبأهم الموتُ في ليله الأبدي و أبكي من جديد
بُرحَاءَ الحب الذي كان اِمّحى من جديد"
أعظمْ بكمال (أبو ديب) من مترجم و أديب فذ.!!
الفقرة الثانية لشاعر الإنسانية شكسبير
تلخيص ثري ُّ بالمعنى وباللفظ المتوازنين.!!
نعم تلخيص دقيق للحياة وما احتوته من أهداف و آمال إنسانية يتحقق
فيها بعضُها ولا يتحقق فيها بعضها الآخر ويختمها
شبحٌ عملاقٌ هو الموت فيقتل الناس ليخبئهم في كهفه المسحور السرمدي
-قولٌ صادقٌ وصادر من أمير الفن وليم شكسبير !!
3
كاهنَ علم ِالأنساب الحبيبَ الفقيد !!
من الصعوبة بمكان حيثما كنا نسيرُ في الطرقات أن يمرَّ إنسانٌ إلا كنتَ
تعرفه وتعرف سيرة ً ذاتية ً موجزة ً عنه... الآن أسير منفرداً لذاتي مع شبحك
فيخنقني الصمتُ والتشردُ !!!
أهّلَتْ سفينة ُالموتِ بك راكباً .. وصرت َ تمثالاً ملفوفاً بثوب ٍ،
نسيجه أحاديث الناس ِ البيضاء.
تركتَ فراغاً فيه أفواهٌ تتحدثُ و أطفالٌ،
صرت ملكاً للجميع.
كنت أقرأ أنا ،. و أنت تصغي بين أيدي الإعجاب لكل قول بليغ يأخذ باللب
فتطربُ و أذكرُ، و حينما وقفنا مع حيرة حكيم وفيلسوفِ الشعراء أبي العلاء في
افتتاحيته مرثيته الإنسانية المعجزة . حين أقسم بأن البكاء والإنشاد شيء واحد، نعم
أقسم في ملته و اعتقاده بأن الفرح الشديد والحزن الشديد لا يجديان نفعاً أمام لغز
هذه الحياة؛ اللغز المفجر لطاقات الفكر البشري منها :
غير مجدٍ في ملتي واعتقادي ....... نـَوح باكٍ ولا ترنمُ شادي
أبكت تلكم الحمامة أم غنّـــــــــــــــت على فـَرع ِ غصنها الميادِ
صاح هذي قبورُنا تملأ الرحــــــــب فـأين القبورُ من عــهد عاد ِ
..............الخ
- أجل إن البكاء والإنشاد
سيان لا خِلافَ في ما بينهما في النتائج تماماً كعدم معرفتنا نغمَ أو لحنَ ( نوح
الحمامة) أهو بكاءٌ أم إنشادٌ ..!!؟؟
ثم ينادي الشاعر في بيته الثالث صاحبَه ليدلـَه ويشير له على مدى التـُخَمة
الشرهةِ التي أصابت الرحب الكوني الواسع بعظام وجماجم معاصريه !!!
كيفَ بقبور من ماتَ من البشر من عهد عاد !! تلك صورة نسجها خيالٌ فذ ٌ
مبدعٌ صورةٌ مربكةٌ تجعلُ الإنسانَ يعيشُ
في انقباض ٍدائم ٍوتساؤل ِخوف ِ ممزق ٍأبدي ٍمدفون ٍفي عمق ِالإنسان ِالمعذب
ِأمامَ آلات ِالفناء ِالمخيفة ِالمتكررةِ المتلاطمة ِ كأمواج ِمحيط ٍ ينتحب.
أجلْ .. كنا نقرأ في كتب لعباقرة ِالأدب الإنسانيِّ وترجماتِه
جعل الله الطبيعة َمعلمة ًرشيدة ً تليين عنجهية َ البشر ِ من خلل ِأنبيائه
ِورسلهِ العظام، فلنسلـِّمْ بأمرهِ متصبرِينَ وإنّا لله وإنّا إليه راجعون
إلى روح الأستاذ محمد مظهر شاهين
رحمه الله
من أدب المستحم 2/2/2010م