المزاح القاتل
كنت ارقبه من خلف الستارة وهو فى طريقه الى العمل فيرفرف قلبى من السعادة وتتعلق به عيناى ...كان وسيما....خمرى اللون ..عيناه بنيتان عميقتان ...تتدلى خصلات شعره البنى الناعم على جبينه فيزداد وجهه جاذبية لم يكن يشعر بعيونى المترقبة .. كانت اسرته تعيش فى حالة ميسورة وكان الأخ الوحيد لثلاث بنات كانت أمى تزورهم كثيرا فقد كانت تحب والدته وتأتنس بها ...وتغير بهم الحال حين توفى والده اثناء عمله بالمصنع وكان صاحب المصنع رجلا جشعا فرفض ان يصرف لهم التعويض المستحق ولم تكن الأم المسكينة تملك من المال ما يمكنها من رفع قضية لإسترجاع حقهم المسلوب فسلمت امرها لله وتوسلت الى الله أن يعوضها خيرا فى إبنها ..كان سعيد طالبا فى الجامعة فى الصف الثالث بكلية الهندسة واضطر ان يترك الدراسة ليعمل وينفق على أمه وإخوته وكان محبوبا من الجميع خفيف الظل شهما فى زمن قلت فيه الشهامة او بالأحرى انعدمت و يحمل من صفات الزمن الجميل ما يجعل المرء يتعلق به.. فعمل فى مجال المعمار وكان زملاؤه يحبونه لدماثة خلقه وتعاونه وتفانيه فى عمله الى أقصى حد.. وأحبه صاحب العمل وقربه اليه ورغم شظف العيش وقلة الدخل الا انهم كانوا لا يسألون الناس الحافا ويحسبهم الجاهل اغنياء من التعفف..
كانت امى تزورهم بالبيت وتساعدهم قدر استطاعتها دون ان تجرح شعورهم وكنت اذهب معها واحست والدته بعيونى المتعلقة بولدها فهمست لى هل تحبينه ؟؟
احمر وجهى خجلا وتلعثمت ولم أنطق ...قالت ...سأزوجك اياه عندما تنهين دراستك..فأرتميت فى أحضانها وأنا فرحة ...كان سعيد بارا بوالدته فكنت أسمعها تدعو له آناء الليل وأطراف النهار
وذات يوم ذهب سعيد الى العمل وأتت امه لزيارتنا وكانت قلقة ومضطربة وما فتئت تقول لأمى انها تشعر بالضيق والاختناق ولا تدرى ما السبب !!
هدأت امى من روعها وجلسا يتسامران ...وفى هذه الأثناء كان سعيد فى وقت الراحة يتناول طعام الغذاء مع زملائه بالعمل -رغيفا من الخبز محشوا بالفلافل- ثم بدأ الزملاء يتضاحكون ويلقون النكات وقام سعيد يعد الشاى لزملائه .. وتسلل من خلفه صاحب العمل ليباغته- وكان يحب سعيد حبا جما- وكثيرا ما كان يحمله على ذراعيه ويدور به مازحا كان قوى البنية مفتول العضلات يتباهى بقوته .. باغت الرجل – سعيد- وحمله وانطلقت الضحكات وزادت حماسة الرجل فمد يديه الى خارج المبنى وهو يحمل سعيد بين يديه فتعالت ضحكات العمال ..وكان السور حديث البناء ...ويبدو انه لم يتحمل ثقل الرجلين فتهاوى السور واختل توازن الرجل وسعيد بين يديه وسقطا من الطابق الخامس وسط ذهول الجميع ...
وكان المشهد مروعا حين هرع العمال الى اسفل المبنى فوجدوا الرجلين قد فارقا الحياة ...
مرت اعوام على هذه المأساة وما زلت اقف خلف الستارة بأعين تفيض بالدمع اتطلع الى الشارع الذى شهد خطوات الحب وهو ذاهب الى عمله مبكرا ..