بيت من الرمال ..قصة بقلم فاتن
جلست قبالة الكعبة واحست بالطمأنينة تسرى فى اوصالها ووجهت بصرها للسماء وجعلت تناجى ربها ..اللهم انر بصيرتى واكشف لى ما انا عنه غافلة
انسابت دموعها - فى خشوع - على وجنتيها واحست بالهدوء والسكينة ..اقبل زوجها وجلس الى جوارها نظرت اليه نظرة حانية وابتسمت له فى رقة ..
قال : هناك سر أود ان أبوح اليك به فهو يثقل كاهلى
قالت فى هدوء : خيرا
- هيأ الله لى طريقا لفعل الخير بأن اكفل يتيمتين ..
تهللت أساريرها وتبسمت فى فرحة وقالت ..ونعم العمل..
أردف قائلا ..ولكنى كى اتمكن من فعل ذلك لابد ان أتزوج أمهما !!
ساد الصمت لحظات ..وأطرقت برأسها ونظرت الى الارض.. وقالت فى هدوء ..هناك الف وسيلة ووسيلة لفعل الخير دون زواجك من اخرى !!
أطرق برأسه وقال فى عزم ولكنى ملزم بفعل ذلك لا سبيل آخر امامى الا الزواج بها !
قالت : فلنرجئ هذا الحديث حتى نعود الى مصر وليقضى الله امرا كان مفعولا .
عادت الى البيت وهرع اليها ابن زوجها الذى ربته وليدا احتضنته فى حنان بالغ وسارعت بفتح حقيبتها لتريه ما اشترته له من هدايا ...فرح الصبى كثيرا واحتضنها شاكرا وانصرف الى حجرته يرفل فى السعادة ..
ذهبت الى غرفتها ولحق بها زوجها .. تحاشت النظر الى عينيه فأمسك يديها فى رقة واجلسها الى جواره وقال : لابد ان نكمل حديثا بدأناه فى مكة ..
- هات ما عندك ..
- سأتزوجها ..
قالت بصوت كسير : وانا !
- لا استطيع الاستغناء عنك فأنت حياتى
- وهى ؟؟
- خير ومعروف لابد لى من عمله فساعدينى ..
بهتت لما سمعته ..نظرت الى عينيه فى حزن ...وحين التقت عيناهما ايقنت انه قد عقد العزم ... فعرفت انها فقدته الى الابد ..
صمتت قليلا ثم قالت بصوت ذبيح .... صارحنى هل تزوجتها ؟
تنهد واشاح بوجهه بعيدا ثم قال : نعم ..
طفرت من عينيها دمعة وندت عنها آهة مكتومة و فرت من امامه يملؤها القهر ..
ظل اياما يبكى بين يديها ..يقسم انه ابدا لن يفرط فيها ..انه يحبها و لا يستطيع العيش بدونها يتوسل اليها ان ترضى الحياة معه على هذا الوضع .. تنازعتها الافكار والقت بها على شطآن الحيرة ...ما بين قلب معلق به ...وكرامة ذبيحة ..انى لها ان تبعد عنه وهو دقات قلبها التى تبقيها على قيد الحياة ..وتساءلت فى حسرة ... كيف طاوعه قلبه على الخيانة ؟؟ بم أغوته تلك المرأة المجهولة ...اى سحر ألقته عليه فأصبح لا يملك منها فكاكا ؟؟
مرت الايام ثقيلة .. وهى تحاول جاهدة ان تتقبل الوضع .. صارت تحدث نفسها ..أحست انها صارت على مشارف الجنون ..... كانت صورته مع الاخرى لا تفارق خيالها .. كرهت همساته ولمساته .. اعتزلته واعتزلت الدينا معه .. شعرت بنفسها تتمزق وقلبها يدمى ..تنهش قلبها الغيرة ..
فاض بها الكيل أحست انها لن تستطيع ان تكمل حياتها فى هذا الجحيم ...فواجهته ..
قالت : لم أعد اقدر ان أتحمل هذا الوضع .. لابد من الانفصال
هزته الكلمة زلزلت كيانه فصرخ مذعورا .. لا.. لا يمكننى العيش بدونك !!
- لقد تعبت.. ارحمنى ..واطلق سراحى ..طلقنى..استحلفك بكل ما هو عزيز وغالى ..طلقنى
انهار بين يديها وذرف الدمع انهارا ...توسل اليها ان لا تنفيه بعيدا عن جزيرتها ولكنها لم تستطع ان تغفر أو تسامح ...لم يعد له فى قلبها مكان ...
قال ودمع العين مسكوب ما والله هجرك بإختيارى .....وحين نطق بالكلمة ..انت طالق .. أحس وكأن جزءا من قلبه مبتور..
لملمت نفسها المبعثرة وغادرت - وهى تربط على القلب باليد - بيتا شهد أحلى سنين العمر وودعت ابنا لها لم تلده وبكت بحرقة حين ضمته الى صدرها فلن تراه ثانية ...
كان لابد من البعد فسافرت ... واغرقت نفسها فى العمل علها تنسى ..
وهناك .. بعيدا عن الاعين ..حين أسدل الليل استاره ..جلست على الشاطئ ..راحت تبنى بيوتا من الرمال.. تبكى عمرا ضاع سدى ..يتملكها الفزع حين تفكر فى الغد..
احاطتها الوحدة بكآبتها وأطبقت عليها فلم تستطع منها فكاكا ..وراحت ترنو الى الغد المجهول تحدق فى حسرة خلف الليالى بقلب جريح تكسوه الندوب.