البخل صفة ذمتها الشرائع والأعراف والعادات والتقاليد، خاصة إذا ما اقترنت بالرجل المسؤول بالإنفاق على الأسرة، لما فيها من مفاسد كثيرة تنطوي على انعكاس تلك الصفة على المشاعر الإنسانية التي يكنها الرجل لأسرته،
بالإضافة إلى تحمل الزوجة والأبناء ظروف العوز والفقر والفاقة ناهيك عن تفكك الأسرة بالطلاق إذا ما سيطر بخل الزوج على طبيعة الشكوى التي تتقدم بها الزوجة مراراً وتكراراً لأهلها.
"ليس من عاداتنا"
ويعرف بخل الأزواج بأنه إمساك الأزواج عن الإنفاق في رعاية أسرهم وزوجاتهم بالقدر المطلوب وسد احتياجاتهم الأساسية المطلوبة، وذلك وفقاً لأسباب وقناعات يخلط فيها بين الاقتصاد الشديد والتوفير الأشد وبين الخوف من المستقبل والبخل بمفهومه العلمي.
وبكل الأحوال البخل صفة ذميمة وهي تأخذ شكل العادة، وهي مضادة لصفتي الشهامة والمروءة التي من المفترض أن يتصف بهما الرجل العربي وغالباً ما تكون مكتسبة من الأسرة وأسلوب التربية التي تعرض له الرجل كما أنها تنمو وتكبر معه لكن ظهورها وبروزها مرتبط بالزواج حيث يواجه الرجل بتبعات تحمل مسؤولية البيت والأبناء فيعمد تطبيق ما شبَّ عليه من مفاهيم خاطئة عن الاقتصاد إلى والتوفير من أجل ضمان المستقبل.
"الأسباب مختلفة والنتيجة واحدة"
الدكتور منير عباس الخبير بعلم الاجتماع يؤكد أن الأسباب التي تدفع بعض الرجال إلى البخل على أسرهم مختلفة ومتنوعة تتراوح بين الخوف من المستقبل والمحاولة في تأمين الأسرة اقتصادياً، وبين الاعتقاد أن بوجود مصروفات زائدة يمكن تقليصها في إطار التوفير والاقتصاد.
وبشيء من التفصيل تحدث عن تلك الأسباب، فالخوف من المستقبل لدى الإنسان هاجس يطارده في ظل حالة التقلب والتغير الدائمة في المجتمع، مؤكداً أن الخوف من المستقبل شيء صحيح.
مشيراً إلى أنه يجعل البعض يقرر مواجهته بالادخار والتوفير القاسي مما يدخله إلى دائرة البخل دون شعور منه ، وبيّن الدكتور عباس أن بعضاً من المواطنين يعتقدون أن المصاريف الزائدة ليس لها لزوم، فيعمد إلى الاقتصاد فيها بشكل يضغط على احتياجات الأسرة.
مؤكداً أن هذا التصرف قد يقوده إلى البخل أيضاً دون وعي أو إدراك منه بل وأحياناً يبرره بفكرته ومن جهة أخرى أشار الدكتور منير أن صفة البخل أو سلوكه يكتسبه الإنسان من أسرته.
منوهاً بأنها ثقافة تندمج في السلوك اليومي في حياتهم. لافتاً أن من ينشأ في أسرة تبالغ في الخوف والحرص على أموالها ويتباكى أفرادها باستمرار في أي مناسبة على فقرهم لاستدرار عطف الآخرين وإقناع أهل بيته بأنه لا يستطيع توفير متطلباتهم لا يمكنه إلا أن يمارس ذلك السلوك كونه اعتاد عليه في حياته اليومية. وشدد على أن ذلك السلوك مصطنع وليس حقيقياً.
"التأثيرات السلبية"
ويشير الدكتور موسى الحيدري أستاذ علم الاجتماع بجامعة الحرية إلى أن تأثير البخل لا يمس بالعلاقة الإنسانية بين الزوج والزوجة فقط بل يمتد تأثيره وانعكاساته السلبية على أفراد الأسرة جميعهم.
مؤكداَ أن البخل على الزوجة والأبناء من شأنه أن يؤدي إلى انهيبار الأسرة، خاصة إذا ما لجأ بعض أفرادها إلى سلوك طرق غير مشروعة للحصول على احتياجاتهم التي يرى رب الأسرة أنها غير ضرورية، أو أنه يوفرها بالحد الأدنى.
وأوضح الدكتور الحيدري أن أحد الظواهر السلبية التي تنشأ في المجتمع نتيجة البخل هي: تشرد الأبناء من خلال العمل المبكر والتسرب المدرسي بالإضافة إلى اضطرار الزوجة خاصة إذا كانت جاهلة غير متعلمة أو الأبناء إلى ممارسة التسول، ناهيك عن تحطم العلاقة بين الأب البخيل وأبنائه وزوجته من خلال تذمرهم الدائم من تصرفاتهم التي ترهقهم نفسياً واجتماعياً وكذلك فقدان الثقة بين أفراد الأسرة نتيجة النقص في الإشباعات الأساسية لديهم وبروز المشكلات الاجتماعية التي تؤدي بالنهاية إلى الطلاق وتفكيك الأسرة وأيضا تخريج أجيال ضعيفة لا تتمتع بالوعي نتيجة نقص الإشباع لديها في الحاجات الإنسانية اللازمة لبناء الإنسان القوي الواعي ناهيك عن فقدان الاحترام بين الأب والأبناء والزوجة والزوج.
ويرى الأستاذ الفاضل طاهر عباس أن تعامل الزوجة مع الزوج البخيل يحتاج منها إلى مزيد من الصبر خاصة في ظل اعتقاده أن ما يقوم به ليس بخلاً وإنما يأتي في إطار التوفير والاقتصاد لضمان تأمين المستقبل، داعياً الزوجة إلى القيام بعدة عمليات اجتماعية أهمها أن تعمد إلى تهذيب نفسه بزيادة تقربه من الله بالعبادات والصلاة مؤكداً أن ذلك من شأنه أن يهذب نفسه ويُقّومها.
وأضاف الأستاذ ظاهر أن من بين العمليات الاجتماعية التي تجعل الزوج يقلع عن سلوك البخل الذميم غرس الوعي الاجتماعي الحقيقي عن كيفية إدارة الأسرة بالإضافة إلى التفريق بين البخل والاقتصاد الحقيقي.
مؤكداً أن ذلك يكون بضرب الأمثلة للزوج عن البخل والنتائج التي يثمرها بخل رب الأسرة على أسرته، كتسرب الأبناء من المدارس والزج بهم في طريق الانحراف لتوفير بعض الاحتياجات الضرورية التي لايوفرها الأب بدافع التوفير.
وبدورنا نرى أن تتم عملية التوعية للزوج البخيل سواء من قبل الزوجة أم من المقربين منه بصورة واعية ونصح الزوجة بالصبر لتجد النتائج في تغيير سلوك زوجها وأن تعمد في تغيير سلوكه إلى أدلة وبراهين وأن تحرص على توصيل رسائلها للزوج بقالب الاهتمام وليس الانزعاج أو الغضب وأن توضح للزوج أن اهتمامه بها وبأبنائها وفق الأصول ودون مبالغة أو إفراط خاصة على الصعيد المالي ما يؤدي إلى بناء أسرة تفيده وتساعده في المستقبل، ونصح الأزواج بالتخلي عن سلوك البخل ونبذه لأنه مفتاح الانهيار الزوجي والأسري على حد تعبيره.
جريدة الثورة - مجتــمـــــع
الأحد 13-3-2011م
وائل المولى