حارس القيم .. كيف يستمر بالإخلاص لما هو إنساني ؟
![/color]كلما أتى هذا اليوم لا يخطر ببالي الا مدرستي الابتدائية، وأتذكر معلماتي في تلك المرحلة وأوجه لهن تحية،
أنهن نقلن لي بالعدوى ولكن عن قصد انسانيتهم، بالاضافة الى أنهم كانوا يومها خزان المعرفة المتاح أمامنا، فكان من السهل عليهن ضبطنا الاجباري.
والمدرسة هي المكان الذي تتجه اليه أذهاننا جميعا عند الحديث عن تردي التعليم أو انحراف الأبناء، وأمور كثيرة أخرى الا أنني سأبقى في فلك العملية التعليمية ودور المعلم والمعلمة ومكانتهما؟ فاذا كانت درجة التقدم الانساني لأي مجتمع تقاس وفق معايير متعددة منها التقدير الاجتماعي للمعلمين يمكننا السؤال مالذي بقي من المعلم اليوم؟
انه ورغم السعي الحثيث والمبادرات لمراجعة المناهج و البرامج الدراسية ووضع مناهج جديدة لملائمة المستجدات و المتغيرات , ورغم الاهتمام لإدماج الوسائل الحديثة في العملية التعليمية بهدف خلق مناخ تعلمي أفضل إلا أن الوضع لا زال يراوح مكانه؟ ! لأن تلك المبادرات أغفلت حجر الزاوية في عملية الإصلاح فهي لم تعد النظر في ادوار المدرس باعتباره كما قلنا حجر الزاوية في كل إصلاح ولم تحم مكانته اللائقة بالمجتمع. عند مناقشة ميزانية التعليم اذا وجد من يتحدث عن ضرورة تحسين ظروف المعلمين يكون ذلك من باب العطف والشفقة وكان الحكومة ستقوم بعمل خيري، بالاضافة الى ذلك تكون الميزانية الأكبر للتعليم العالي؟ لماذا أليست الابتدائية الأساس للمراحل التالية؟
قد نتحدث جميعا عن تعرض الابناء لسيل معرفي هائل تنقله يوميا الثورة التكنولوجية، وبالتالي قد نلغي السلطة المعرفية للمعلم والمعلمة , الا ان ذلك بالمقابل ألقى على عاتقهما مسؤولية كبيرة تتمثل في الوقوف على حراسة منظومة القيم الأصيلة والعمل على ترسيخها بما يحفظ الهوية و يعزز الانتماء ! وهذا يدفعنا مجددا للسؤال عن مدى أهلية المدرس للقيام بهذا الدور الحيوي و الخطير في ظل معيقات منها الايقاع السريع والمتسارع لوتيرة التحولات الاجتماعية و الاقتصادية التي نشهدها وما يصاحبها من تسليع للقيم , واستهداف نظم الأخلاق والمعتقدات، الا أن أهمها ضعف الإعداد التربوي للمدرس حيث لا يتم التركيز على البعد الأخلاقي و الإنساني الذي يشكل ملمحا أساسيا من ملامح الفعل التعليمي، ويترافق ذلك مع هشاشة البيئة المدرسية وضعف بنيات الاستقبال، والضغوط المرتبطة بظروف العمل و كما قلنا تدني مستوى الأجور و انخفاض القدرة الشرائية ، وكل ذلك يؤدي الى استنفاد الجهد في الشكوى من عدم تحقق المطالب و المعارك اليومية، مما تسبب في تكريس صورة سلبية للمدرس أصبحت نمطية لدى فئات المجتمع, والتي تغذيها العديد من الأعمال الدرامية.ان كل ذلك وغيره كثير, أسهم في تراجع أدوار المدرس، واكتفائه بمهمة تنفيذ التوجيهات الرسمية و القرارات الفوقية، وعزوفه التام عن المطالبة بحقه في المكانة اللائقة والريادة في المجتمع!
ولو عدنا في هذا اليوم الى ابن خلدون لنتذكر سعىيه إلى إرساء نظرية تربوية تقوم على مبدأي التفكر و التحقق و تحصيل الملكات النافعة و ذلك من خلال المزواجة بين "علوم المعاد" و "علوم المعاش" مما يؤهل الموقف التعليمي لأن يشكل البداية الطبيعية للعمران البشري , شرط توافر " السند الصالح" أي أهمية البعد الأخلاقي الذي بدونه تفقد ممارسة التربية أهم سماتها . والسند الصالح هو المعلم والمعلمة الذين يحملان أعباء التكوين الاخلاقي والاجتماعي للأطفال، لذلك لايكفي تغيير المناهج ولاتدريب المعلمين والمعلمات، لابد من جعل تطوير التعليم العام ومعه مكانة المعلم موضوع الساعة، ليس لمجاراة التطور التكنولوجي وانما لاعادة المعنى للعملية التربوية، وللحفاظ على الحب الذهني لما هو انساني ونقله.
منقول .......