نزوات الراشدين ... كيف نضبطها..؟
من منا لم يرغب يوماً في
القيام بأمر جنوني لإشباع رغبة لا تُقاوَم؟ يمر ّمعظم الناس بنزوات
كثيرة بغض النظر عن سنّهم، حتى أنهم قد لا يدركون ذلك. لكن ما مصدر تلك
النزوات وكيف تؤثّر في حياة الإنسان... والأهم من ذلك، كيف يمكن
مواجهتها؟
فهل النزوة من طبع الإنسان أو سلوك يفرضه علينا المجتمع الذي يتّجه أكثر فأكثر نحو الاستهلاك؟ وفقاً لعلماء النفس، يعزّز المجتمع الاستهلاكي النزعة إلى امتلاك كل شيء فوراً. لكن يجيد أي شخص ناضج ومتفتّح إنسانياً التمييز بين رغباته الحقيقية وتأثير الإعلانات الترويجية أو ضغط المجتمع عليه.وقد تُترجَم النزوة على شكل رغبة عميقة في الحصول على أمر تافه وكماليّ. فتتعارض طبيعة النزوة التي تكون سطحية مع طبيعة الحاجة التي تكون ضرورية ولا يمكن الاستغناء عنها. يشعر المرء بضرورة إشباع نزواته فوراً. بالنسبة إلى أطباء النفس، تعبّر النزوة عن رغبة في الاستقلالية، وعدم القدرة على مقاومة الإغراءات، وعدم تحمّل الضغوط الناجمة عن عدم إشباع الرغبات فوراً. ولا تتعلق النزوات بسنّ المرء، بل بعجز البعض عن تحمّل المصاعب والضغوطات، وبالتالي يقع تحت رحمة حاجاته من دون تحقيق رغباته فعلياً كما لا يسهل دوماً التمييز بين الرغبة في إرضاء الذات والنزوة بمعناها الحقيقي. لذلك علينا إدراك أنّ النزوة شعور حميم، غرائزي، قوي، ومفاجئ. من خلالها، نسعى إلى الحصول على أمر إيجابي أو تحقيق مشروع جيد ومثير للاهتمام. وخلال هذه العملية، ينغمس المرء في مزاج معيّن من دون تبرير منطقي، ويتمنى أن تحقّق رغباته وأحلامه مع الشعور بالمتعة، بكل أنانية أحياناً، ومن دون التفكير بالآخرين,. قد يكون التعبير عن الرغبات والمشاعر والانفعالات أمراً طبيعياً، لكنّ النزوة شعور قوي وجارف قد يكون إشارة الى الحرية والحياة. حين تحلّ النزوة، لا يكون الوضع جامداً بل على درجة عالية من الحيوية والتفاعل.بمايعني التعبير عن الرغبات الخاصة و الكشف عن مصادر الشغف وإبداء الرأي في مختلف المواضيع، وبالتالي الاستفادة من حرية الاختيار. نزوات الراشدين وفي حين يعبّر الطفل عن نزواته بطريقة واضحة وصاخبة، يردع الراشد نفسه بشكل أكبر. وبالتالي، تكون النزوة أقل وقعاً يعود ذلك ببساطة إلى أنّ الشخص الراشد يملك في داخله جزءاً طفولياً يظهر من وقتٍ لآخر عن طريق الرغبات المتبدّلة والعفوية اللاواعية التي تُسمّى «نزوات». نحتاج جميعاً إلى هذه اللحظات الجنونية العابرة التي تتيح لنا الخروج من إطار الزمان والمكان المطعّم بالروتين. إنه جزء من الأمور الغريبة العابرة المباغتة. نعم، إنها مفيدة حين تهدف إلى تبديد الضغوط النفسية اليومية. ما إن تولد النزوة وتظهر إلى الخارج من دون أن تتخطى الحدود، تسير الأمور على خير ما يُرام. قد يكون الوضع غير منطقي أحياناً، ولا سيما إذا تعلّق الأمر بالمبالغة في صرف الأموال مثلاً، لكنه يبقى وسيلة للتعاطف مع الذات. ]كيف نعيشها وتؤكد الأبحاث الاجتماعية والنفسية العديدة في هذا الإطار أن تهمة «عيش النزوات» تعبرغالباً عن نية قاتلة من جانب الأشخاص الحسودين أو الغيورين الذين لا يحتملون التنوّع والتجدّد. في هذه الحالة، يكون هؤلاء الأشخاص هم أصحاب النزوات، لأنهم يفتقرون إلى الثقافة اللازمة لتقبّل خصوصية الآخرين. على صعيد آخر، يشعر البعض بحاجة مَرضيّة إلى التواجد في المقدّمة دوماً. على هؤلاء الأشخاص أن يطرحوا على أنفسهم الأسئلة التالية: ما الذي يولّد فيهم الحاجة إلى التميّز؟ ما الذي يخفيه المرء ولا يزال عالقاً في داخله على شكل معاناة؟ في هذه الحالة، تؤدي النزوات دور الكاشف عن مصادر الانزعاج العميقة التي تستلزم المعالجة. إصغاء إلى الرغبات الخاصة طالما لا تؤدي حاجاتك ورغباتك إلى إعاقة حياتك، سواء جسدياً أم معنوياً أم مالياً، أو إلى إخضاع الآخرين، أي تعريض الجماعة التي تنتمي إليها للخطر، فلا وجود لأي مشكلة! من مسؤوليتك أن تقيّم الأمور التي يمكنك التنازل عنها. في المقابل، إذا كانت نزواتك تتعارض مع إرادة الأشخاص في محيطك وتسبّب الخلافات بينهم، من الأفضل أن تناقش الموضوع معهم وتحاول التعويض عن رغبتك بأمرٍ آخر. ]مع الحفاظ على رابط شفاف بينك وبين نفسك. ثمة شعور في داخلنا شعور بالحرية يخوّلنا الاستسلام لنزواتنا وانفعالاتنا الجنونية. كيف نتجنّب النزوات ونضبطها؟ طالما تبقى النزوة في إطار البحث عن السعادة والتفتّح الشخصي، فلا سبب يدعو إلى تجنّبها. لكن إذا انعكست سلباً على المرء، أو إذا تخطّت الدائرة الشخصية لتضرّ بالآخرين، ينصحك الخبراء في هذا المجال بالتصرّف للسيطرة على الوضع من خلال العمل على الذات للنجاح في التحكّم بالنزوة والتخلّص منها نهائياً. وإذا اقتنعت بضرورة ضبط نزواتك لمصلحتك ومصلحة المقرّبين منك، يمكنك اعتماد مقاربة بسيطة: العودة إلى التفكير بالذات. بالتالي، لا بدّ من تحمّل مسؤولية أقوالك وأفعالك، والتخلّي عن أداء دور الطفل أو الضحية، وتعزيز علاقاتك بالآخرين، واختيار ما هو مفيد لك وللآخرين، وعيش الحياة بحذافيرها، ورفض أي موقف استسلام، وتأييد تطوّرك الإنساني. باختصار، تجرّأْ على التصرّف على سجيّتك، أظهر شجاعتك، وامضِ قدماً! لكن تعلّم كيفية الإصغاء إلى رغباتك العميقة ولا تتردد في سعيك إلى السعادة والاسترخاء من فترة إلى أخرى.