الإنسان والذكاء
الذكاء والوعي والمعرفة أسلحة الإنسان العاقل ,في زمن القسوة , والجهل ,هم أمه وأبوه وأخوه , وأولاد عمومته , هم قاربه في بحر هائج لا قارب فيه, ولا طوق نجاة , وقبل أن أقدم هذه الوجبة الناشفة حول الذكاء ,سأرطب الجو بطرفتين من طرائف العباقرة :
نظارة اينشتاين
كان أينشتين لا يستغني أبدا عن نظارته .. وذهب ذات مرة إلى أحد المطاعم ، واكتشف هناك أن نظارته ليست معه
فلما أتاه ((الجرسون )) بقائمة الطعام ليقرأها ويختار منها ما يريد طلب منه أينشتين أن يقرأها له فاعتذر الجرسون قائلا : إنني آسف يا سيدي ، فأنا أمي جاهل مثلك !!!!
كبرياء فنان
ذات ليلة عاد الرسام العالمي المشهور(( بيكاسو )) إلى بيته ومعه أحد الأصدقاء فوجد الأثاث مبعثرا والأدراج محطمة ، وجميع الدلائل تشير إلى أن اللصوص اقتحموا البيت في غياب صاحبه وسرقوه
وعندما عرف (( بيكاسو )) ماهية المسروقات ، ظهر عليه الضيق والغضب الشديد
سأله صديقه : هل سرقوا شيئا مهما ؟
أجاب الفنان : كلا .. لم يسرقوا غير أغطية الفراش
وعاد الصديق يسأل في دهشة : إذن لماذا أنت غاضب ؟
قال : لأن الأغبياء لم يسرقوا شيئاً من لوحاتي !!!
إن الثورة المعرفية التي حدثت في بداية الستينيات من القرن الماضي شملت في دراستها قصة الذكاء بشكل موسع ومنهجي,كما قاموا بدراسة اعتبرت المدخل البيولوجي للذكاء ,تتضمن التداخل والتفاعل المستمر بين البيئة والوراثة , وعدم إمكان الفصل بين عوامل كل منهما ,الأمر الذي أدى إلى اعتبار العلاقة بينهما علاقة تفاعلية ,لا يمكن لأحدهما إلغاء الأخر.
فقام عالم أمريكي ( دونالدهب ) بالربط بين الذكاء والمخ , وذهب إلى وجود ثلاث مستويات من الذكاء :
المستوى (أ) :يتضمن الإمكانية الفطرية المحددة وراثياً (تتمثل في ميكانيزمات عمل المخ والجهاز العصبي).
المستوى (ب) : يتضمن عمل المخ كنتيجة للنمو الفعلي له (يمثل التفاعل بين الإمكانية الفطرية والأحداث ).
المستوى (ج) : يتضمن إمكانية الفرد تكوين تجمعات خلوية أكبر وأكثر تعقيدا كلما كان أكثر قدرة على التعلم وبالتالي أكثر ذكاء.
ولكن السؤال العملي في هذا المضمار حتى لا ننجر في دوامة الإسهاب والحشو ,هو كيف يتفاعل الذكاء مع الحاجات اليومية للإنسان ؟
رأى العلماء المختصون أن للذكاء ثلاثة أنواع جديدة :
الذكاء التحليلي : الذي يتضمن قدرة الفرد على تحليل وتقييم الأفكار, وحل المشكلات.
وهو شكل من أشكال الذكاء الإبداعي : الذي يتضمن قدرة الفرد على إنتاج أفكار جديدة ,أو حتى الاستخدام غير التقليدي للأفكار.
الذكاء العملي :وهو قدرة الفرد على الموائمة بين قدراته وحاجاته من ناحية و متطلبات البيئة من ناحية أخرى ,أي هو الذكاء الذي يحقق النجاح في الحياة اليومية , وهو بذلك يقابل الذكاء الأكاديمي أو ذكاء المكتب .
إن الذكاء العملي يعتمد على المعرفة الضمنية وبمعنى أن هذه المعرفة لا يمكن أن يكتسبها الشخص أو يعبر عنها ,وهي تأتي من الخبرات اليومية الحياتية , وليس من تدريب أو تعليم رسمي أو نظامي (بمجرد سماع صوت المحرك يمكن للميكانيكي معرفة نوع العطل في المحرك) . إن الذكاء العملي قائم على المعرفة الضمنية.
الذكاء الانفعالي : لقد اعتبرت عبارة (الذكاء الانفعالي ) كأفضل عبارة أضيفت إلى اللغة الإنكليزية عام /1995/م ,وهو القدرة على الإدراك والتقدير والتعبير عن المشاعر وعلى الوصول أو إنتاج المشاعر التي تسهل الأنشطة المعرفية ,وهو القدرة أيضا على تنظيم هذه الانفعالات لدى الفرد والآخرين .
فهو بهذا المعنى يتضمن القدرة على التفرقة بين مصادر الإحباط والتعامل مع كل منها على حدة , وبالتالي يحافظ على واقعية الفرد وتفاؤله ,من حيث أنه يضمن :
– القدرة على فهم مشاعر الآخرين وتوقع ردود أفعاهم.
_ يضمن المهارات الاجتماعية اللازمة لبناء علاقات جيدة مع الآخرين.
_ ويضمن القدرة على إقناع وقيادة الآخرين .
على هذا ولأهمية الموضوع خصوصاً بما يخص تربية الأطفال ,تم إعداد برامج ذات أساس مدرسي لتطوير قدرات مهارات الذكاء الانفعالي في بعض دول الغرب .
أخيراًً أحب أن الفت النظر إلى أن العلماء الذين يهتمون بتنشئة طفل ذكي انفعاليا أكدوا أن قلة الوقت المخصص للأطفال من قبل الوالدين تجعل مشاهدة التلفاز ,ومزاولة ألعاب الفيديو المصدر الرئيسي للخبرات الانفعالية لدى الطفل , ولما كانت هذه الأخيرة مصطنعة وسطحية فإن الأطفال يفقدون كثيراً من جوانب النمو الطبيعي للذكاء الانفعالي .
بهذا الاتجاه يكون القصد هو معالجة إنساننا من الجذور ,على هذا الصعيد الهام , لأن التوازن الانفعالي ,يجعل الإنسان أكثر قدرة على محاكمة الأمور بطريقة عقلانية واقعية وعلمية , فيتطور لديه الذكاء اللغوي والمنطقي (الرياضي)والموسيقي والحركي والطبيعي .
وفي عصر يتسم بدينامية شديدة ,أصبحت فيه المعلومة هي مصدر كل ثروة ,العصر القائم على المعرفة وعلى ثورة المعلومات , لابد من أن نهتم إلى ابعد مدى ممكن بتلك التفاعلات المتبادلة بين الطفل والسياق المحيط به.,وعلى قدر ما تسمح الإمكانيات المتاحة .
اخيراً:
إن المخ هو ذلك الجزء العضوي من الدماغ الذي تكمن وظيفته بحفظ المعلومات التي يتلقاها الإنسان من محيطه طيلة حياته ,وهو قادر على حفظ تريليونات المعلومات, لكنه يذبل مع تقدم العمر ويفقد طاقته ويصاب صاحبه تدريجياً بالنسيان منتهياً بالخرف(الشيخوخة).
أما العقل فقصته مختلفة لأن وظيفته لا تكمن في حفظ المعلومات بل بتحليلها , وكشف ما هو منطقي منها وحقيقي , فالعقل تأملي , تساؤلي , شاب لا يشيخ, يتغذى على المعرفة الموسوعية,(إبستمولوجي) , حر ,وهو كائن لطيف لأنه يقبل النقد ,ولأنه منفتح على ربيع من التسامح .
19/5/2011, 3:43 am
