الطلاسم-إيليا أبو ماضي الشاعر المغترب اللبناني

كتب الشاعر إيليا أبو ماضي قصيدته المعروفة "الطلاسم" وإيليا من مواليد 1889 في لبنان هاجر إلى أمريكا وعاش هناك:
جئتُ لا أعلم من أين ولكني أتيتُ
ولقد أبصرت قُدّامي طريقا فمشيتُ
وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيتُ
كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟
لست أدري!
أجديدٌ أم قديمٌ أنا في هذا الوجودْ
هل أنا حرٌ طليقٌ أم أسيرٌ في قيودْ
هل أنا قائدُ نفسي في حياتي أم مقود
أتمنّى أنني ادري ولكن
لست أدري!
أتراني قبلما أصبحتُ إنسانا سويا
أتراني كنت محواً أم تراني كنت شيئا
ألهذا اللغز حل أم سيبقى أبديا
لست أدري، ولماذا لست أدري؟
لست أدري!
قد سألت البحر يوما هل أنا يا بحر مِنكا
هل صحيح ما رواه بعضهم عنِّي وعنكا
أم ترى ما زعموا زورا وبهتانا وإفكا
ضحِكَتْ أمواجُه مني وقالت
لست أدري
أيها البحر أتدري كم مضت ألفٌ عليكا
وهل الشاطئ يدري أنه جاث لديكا
وهل الأنهارُ تدري أنها منك إليكا
ما الذي الأمواج قالت حين ثارت
لست أدري!
كم فتاةٍ مثل ليلى وفتىً كابن الملوّحْ
أنفقا الساعات في الشاطئ، تشكو وهو يشرحْ
كلّما حدَّثَ أصغتْ وإذا قالت ترنّح
أحفيف الموج سرٌ ضيعاه؟
لست أدري
إن في صدري يا بحرُ لأسراراً عجابا
نزل السِّتر عليها وأنا كُنت الحِجابا
ولِذا أزدادُ بُعداً كلّما ازددتُ اقترابا
وأُراني كلمّا أوشكت أدري
لست أدري!
فيك مثلي أيها الجبّارُ أصداف ورملُ
إنّما أنت بلا ظلِّ ولي في الأرض ظلُ
إنما أنت بلا عقل ولي يا بحرُ عقلُ
فلماذا يا ترى أمضي وتبقى؟
لست أدري!
_______________________________

كتب المهندس طلال أحمد من بحنين هذه القصيدة معارضاً "الطلاسم" لإيليا أبي ماضي والذي هاجر إلى أمريكا وعاش هناك:
جئتُ لا أدري إلى أين ولكني أتيتُ
ولقد اخترت الطريق الوعر هذا ومضيتُ
قد رأيت الناس تمشي مثلما ساروا مشيت
إنما كيف .. لماذا؟ أين ساروا؟
لست أدري!
إن يك الدرب رسوماً خطّها كف الحمامِ
فلم هم في سباقٍ دون علمٍ بالختامِ
هل تراهم أغمضوا أعينهم خوف الظلامِ
أم تراهم قلّدوا من سبقوهم
لست أدري!
وإذا كان طريقاً للنجوم السامقاتِ
أم كتاب الدّهر هذا .. أنا إحدى الصفحات
فلم الحيرة هذي مزقت فيّ ثباتي
كلما ساءلت نفسي جاوبتني
لست أدري!
قد دخلت الصف والآمال في عيني كبيرة
فإذا الطالب مذهولٌ ولا يدري مصيرهْ
وإذا الأستاذ قد أطرق في صمتٍ وحيرهْ
وإذا باللوح مكتوبٌ عليه
لست أدري
ها هو الأستاذ والرزمة هذي نفسها
لم يكن يدري لم الطالب قد كدّسها
كلها غامضةٌ فارغةٌ أسطرها
غير سطرٍ واحدٍ دامٍ يقولُ
لست أدري!
عندما عدتُ إلى أهلي وأحبابي القدامى
أنشد الراحة في حضن الأقاحي والخزامى
غابت البسمة عن أوجههم حتى الندامى
هل تراهم أنكروني أم نسوني؟
لست أدري
بين أزهار الرياض الخضر قامت زنبقهْ
إنها أول ما أهدى الهوى لي عبقهْ
وتقدّمتُ إليها بابتسامٍ وثقهْ
فلماذا هربت لما رأتني
لست أدري!
يا رفيقي .. تعب الدربُ وعزّ المطلبُ
وأتى فيمن أتى طالب علمٍ يطلبُ
جاء لا يدري إلى أين تراه يذهبُ
فإذا استرشدني ماذا أجيب
لست أدري!
يا رفيقي إننا أقوى إذا سرنا سويّا
عزمنا الغضّ إذا كنا معاً يبقى فتيّا
من يكن منّا ضعيفاً معنا يغدُ قويّا
فلنسر جنباً إلى جنبٍ إلى ما؟..
لست أدري
كان لي فيما مضى شأنٌ ولكن أي شانِ
ومضى الماضي وماتت زهرةٌ من أقحوان
قد سقاها الطلّ من عينيه لكن في ثوان
كيف ماتت هذه الزهرة إني
لست أدري
أنا في برّ أمانٍ وسلاحي في يدي
أم أنا في بحر يأسٍ لا تُراني أهتدي
أم ترى ضيعت أيامي ولا يرجى غدي
قد سألت البر والبحر فقالا
لست أدري