الراوي: أعزائي المستمعين، أسعد الله أوقاتكم
قلنا، في حلقة سابقة، إن اختزال اسم الحبيبة، وصفاتها، وسجاياها، بكلمة واحدة هي (الحلوة) يمكن اعتباره سمةً من سمات التجربة الفنية الرحبانية، وأخذنا على هذا الأمر مثالين هما: أغنية (راضية)، وأغنية (عروستنا الحلوة)..
وأما أغنية "سأل الحلو" فتُسْتَخْدَمُ فيها كلمة (الحلو) نفسها لوصف الحبيب الفتى. وفي هذه الأغنية، كذلك، سماتٌ فنية أخرى، منها كونها تتضمن حكاية شعرية متكاملة، ومنها ما ذكرناه لدى حديثنا عن أغنية (يا خليليَّ) التي اقتبسها الأخوان الرحباني عن أبي نواس، أعني وقوف العاشق على الأطلال، مع التأكيد على أن هذا الوقوف حداثي، متطور، مختلف عن الوقوف الجاهلي التقليدي.
أجل، فالحبيب (الحلو) يقف على أطلال حبيبته مثل العشاق الجاهليين، ولكنْ هنا، لا توجد صحراءْ، ولا جِمَالْ، ولا رملْ، ولا مواقدُ نار مهجورة.. والوقوف على الأطلال، عند الأخوين الرحباني، يأخذُ شكلاً رومانسياً حالماً، ونسمع الفتى (الحلو) وهو يخاطب كيانَ البيت، ويسأله عن أشخاص كانوا يأتون إلى هنا، ويسألون عن أحبتهم،.. وعوضاً عن سماعنا لجواب البيت عن السؤال، يأتينا الصدى متردداً في المكان، قائلاً بأنه لا يوجد أحد، والذين تسأل عنهم بدلوا طبائعهم، وكفوا عن المجيء..
ثم يتوجه (الحلو) بسؤاله إلى القمر.. يسألُه عن البنت (الحلوة)، وليالي السهر التي كانت تبقى عامرة، فيتدخل المساءُ في الجواب، ويقول إن الفتاة الحلوة التي يسأل عنها غادرت المكان دون أن تترك خبراً.
وعلى أطلال البيت، يلتقي الحبيب، أيضاً، رفاً من الطيور، وخصلةَ شعر منسية، وزهوراً جميلة، ولكن أين الحبيبة؟ للأسف، إنها ليست هنا!
يجدر بنا أن نقول، قبل أن نستمع إلى الأغنية، إن وجود رف من الطيور عن الباب، في هذا الليل المقمر، أمرٌ غير منطقي.. وغير جائز إلا في الشعر العظيم.
(أغنية فيروز الكاملة: سأل الحلو- هالبيت الحلو- ع الكانوا يجوا ويسألوا- قال الصدى- ما في حدا- وال كانوا يجوا بدلوا بدلوا- سأل القمر- بليلة قمر- عالحلوة وليالي السهر- قال المسا- هالكان انتسى- والحلوة ما تركت خبر- يا قمر- عالباب رف طيور- واللون بعدو لون- خصلة شعر وزهور- ويا هون مانّاش هون- مانّاش هون- مانّاش هون).
الأعزاء المستمعون:
ومن الأغاني الرحبانية التي تتحدث عن (الحلو) و(الحلوة) و(الحلوين) نتوقف عند أغنية تحمل عنوان (حيدوا الحلوين). ومع أنها مصنفة ضمن أغاني الدبكة، نلاحظ أنها تنطوي على قصة جميلة، رائقة، متسلسلة، تحكي عن (الحلوين) الذين لا نعرف من يكونون، ولكننا نفهم من السياق أنهم بشر طيبون، محبوبون، قريبون من قلوبنا، دون أن يعني ذلك وجود حالة عشق قوية بيننا وبينهم، نراهم ماشين في العتم، أول الليل، ثم يحيدون إلى ضوء القمر، والقمر بدوره يفرح بهم ويستبشر، والناس الآخرين، يستبشرون، باعتبار أنهم يتفاءلون بقضاء سهرة حلوة مع هؤلاء الحلوين.
(مقطع فيروز: حيدوا الحلوين عاضو القمر- والليل ليل والقمر حن ونطر- يا ليلة الحلوين عادراج الحكي- يا سهر الما في بعد منو سهر- حيدوا الحلوين ضوت هالدنيي- والولدني جرت وراها الولدني- في صبي مغرور صارلو شي سني- ياخد خبر ويجيب من عندن خبر- حيدوا الحلوين قالوا ميت مسا- قلنا شو هالغيبي الطويلي وهالقسا- يا هوا الإيام كان رح تنتسا- خلي الوفا بهالكون يغدي عالسفر- يا حلو البيطل قلبو محيرو- يسأل على الحلوين كنن غيروا- والحمام فروخ كبروا وطيروا- ما عاد في غيري وغيرك يا قمر- علية وبالعلية في صبية- قلتلو إخطبلي هيي قلي خطية- والمغرورة مغرورة وبالتنورة- طارت متل العصفورة عالبرية- والحلوة الكانت حلوة بعدا حلوة- وخصور الزنبق تلوي عالغنية).
بقلم الأديب خطيب بدلة