حيدر محمود حيدر
ذهبي
عدد الرسائل : 320
تاريخ التسجيل : 13/11/2008
 | موضوع: من وحي رحلة الأصدقاء إلى شاليهات النورس في طرطوس  22/9/2009, 1:55 am | |
| من وحي رحلة الأصدقاء إلى شاليهات النورس بطرطوس
القدموس....مع إطلالة الخيوط الأولى لنور شمس الصباح,,,
كانت المحطة الأولى في رحلتنا إلى شاليهات النورس في طرطوس،غابة القدموس المجاورة لعين الريّس...
كان الوقت صباحاً،بدأت شمس الصباح ترسل أشعتها الذهبية على الروابي والشعاب التي امتدت من مكان جلوسنا في هذه الغابة العذراء،إلى مالانهاية على مدى نظرنا،وعندما ذكرت أسطورة أكاديموس
إن اسم اكاديموس , مهماكان مشتق أصلا من( قدموس )وقد منح وسام شرف القدم والعراقة والعظمة،لهذه البلدة والتي تعني لغوياًً العراقة والأصالة والقدم،وأنّ لفظة (شانزليزيه) تقول الأسطورة اليونانية((أنّ قدموس الفينيقي الذي علم الإغريق الكلام ، سوف يتحول بعد موته إلى ثعبان ، ثمينتقل إلى شانزيليزيه حيث يعيش الأبطال )) ، ورمز الثعبانفي الأسطورة يعني العودة إلى الحياة بعد الموت ، فقدموس سيحيا بعد موته ، ثم ينقلالى (جنة العزة) حيث يعيش الأبطال ، فكلمة شانزيليزيه ، هي كلمة مركبة من ثلاث كلماتعربية هي (جن إل عزة) ، و معناها جنة العزة ، حيث يعيش الأبطال.
هذا وإنّ الزائر لهذه المنطقة الخضراء ،والمتربعة فوق قمم الجبال سوف يلحظ للوهلة الأولى،كيف أنّ هذا التعبير(حنة العزة)هو التعبير المناسب عن جمال هذا المكان،والإطار المصنوع من خشب السنديان والصنوبر والمزين بشريط من أزهار الرمان وتين الصبار والأكاسي والورود المتنورة والتي تؤطر لوحة الطبيعة الفاتنة والساحرة لجبال وشعاب القدموس والمنبسطة أمام ناظرينا، فهذا هو مقام النبي شيت والد النبي إدريس والذي خطّ أوّل أبجدية في التاريخ،هاهو يقف منتصباً شامخاً فوق ذروة عالية،تكلل هامته أشجار الصنوبر والسنديان، وكأنّ الناظر إليه من بعيد ينظر إلى هرم مكلل بالخضرة والجمال،وهذا الصرح الشامخ ينشر الخير والبركة على مايحيط به من منحدرات ومصاطب،وتحت أقدام جبل النبي شيت امتدت وهاد ومهاد أشجار التين والزيتون والرمان والسفرجل والليمون...وفي مكان غير بعيد...وفوق تلّ مرتفع...جلست قلعة القدموس العريقة والأصيلة..ترمقنا بحنان وعزة وبدأ جوف الوديان الذي يفصلنا عنها ينقل إلينا صوت ترجيع حديثها الشيق والأخاذ قالت أمّ القلاع الصامدة:
على أسواري تحطم المعتدون وردّ الغازون وانتصر أجدادكم..ورغم صروف ونوائب الدهر بقيت أوابدي صامدة وشامخة، وأجبت على حديثها بكلمات تعبر عن اعتزازي وفخري قائلاً:
ياقلعة العزة والكبرياء ،ورمز الصمود والانتصار أنت مثل لنا وقدوة نحتذيها ونسير على نهجها من أجل القضاء على كلّ معتد أثيم،يريد إلحاق الأذى بنا،وهؤلاء كثر،ولكن كما انتصرت أمس،سوف ننتصر حاضراً ومستقبلاً،لقد كان في حوارنا محبة وحميمية كأنه حديث الأجداد للأحفاد.
أيتها الربا...أيتها الوديان ..في ربوع القدموس، أيها العشق بلاحدود لهذا المكان والمتوارث عن الآباء والأجداد الذين كانوا ومايزالون يسقون بحبهم كلّ شجرة وريحانة زرعت.... وزينت مشارف وربا القدموس.
ونودع القدموس وفي قلوبنا حرقة وأسى على فراق مدارج... وأطلال القدموس.
والتي هي هنا حبيبتي،ومشاعري نحوها كمشاعر الشاعر(إبراهيم اطيمش)عندما فارق حبيبته، قال معبراً عن لوعة الفراق.... وأسى البعاد: غاليت من مدمعي سوماً وحين أتى == يوم الفراق به أرخصت غاليه
فساقطت مقلتي دراً تقلده == عند الوداع عقيقاً في تراقيه
لا أستطيع خفاء الوجد من كلفي == وكيف يخفى وقاني الدمع بيديه
ينم دمعي على سري فيظهره == حسب الرقيب فإن الدمع واشيه
من لي بطيف خيال منك يطرقني == وهناً فقلبي طروق الطيف يكفيه
أنى يلم خيال في خلال ضنىً == لا يألف الغمض والأشجان تبريه
ثم نودع القدموس وطيف جمالها،لايفارق ناظرينا..فمحبتي وتحيتي إلى كلّ الأهل الطيبين فيها...وشوق وحنيني دائماً سوف يحملني إلى مواطن ذكرياتي، وذكريات الآباء والأجداد في ربوع القدموس الذين ربما أقاموا فيها أو مرّوا بها.
واليوم...القدموس بأهلها النجب ، ستظل أبداً عامرة وخضراء.
المحطة الثانية في رحلتنا ..إلىشاليهات النورس
بحر طرطوس.....والاستراحة في شاليهات النورس...
هذه هي المرّة الثانية التي أحاور فيها بحر طرطوس.طرطوس التي ذكرها الشاعر عبد المنعم الجلياني بقوله:
مَن ذا يَقولُ لَعَلَّ القُدسُ مُنفَتِحٌ إِلَيكَ بَلِ سَفرُ يَعقوبَ لَهُ السَفَرُ
أَبو المُظَفَّرِ يَنويها فَخُذ سُفُناً مِن بابِ عَكّا إِلى طَرطوسَ تَنتَشِرُ
وما ينتشر اليوم على ساحلها،هوالشاليهات الممتدة على طول ساحل طرطوس من جنوبها،وحتى شمالها،وبحر طرطوس يغزل حكاياه مع كلّ زائر يرتاد أحد هذه الشاليهات،التي تحتاج إلى تنظيم وإشراف إداري وبيئي يعنى بالنظافة العامة،وخاصة وأنّ هذه أماكن سياحية يجب أن نوليها عناية فائقة، لأنها تعطي فكرة عن بلدنا من وجهة سياحية وبيئية،ولأنها تمثل منتجعات يقصدها السيّاح من كلّ حدب وصوب.
وقد لاحظت في أكثر مكان زرته على شواطىْ طرطوس،البناء العشوائي المتناثر على أطراف ساحل البحر،ولاحظت إهمالاً للتقيّد في البرنامج الصحي والبيئي لخفر السواحل،ومن يقف إلى جوارهم في مرفأ طرطوس،وما يجاوره،الزجاجات الفارغة ملقاة على الناصية،وأكوام القمامة وكلّ مصادر التلوث التي تنشر في المكان رائحة كريهة ونتنة،وإلى أن يعنى بتنظيم سواحلنا، وبنظافة شواطئنا،ربما يصبح للفقير دور في زيارة البحر،والتمتع بالسباحة في يمّه القاذف للأمواج،في حركتي مدّه،وجزره.
ونظراً للدور الحضاري الذي لعبته سواحلنا على المتوسط، فقد قامت حضارات قديمة للآراميين والفينقيين والكنعانيين وأطلق اليونانيون اسم فينيقيا] المشتق من فينيقيين أي الأحمر الأرجواني على القسم المتوسط والشمالي من ساحل …]بلاد الشام كما أطلقوا اسم الفينيقين] على الكنعانيين سكان الساحل ]السوري ]واللبناني
أسس الكنعانيونممالك عدة مثل: حبرون، ]يبوس طرطوس, أروادبيسانمدين عكو صورصيدون]بيروت
ولقد أملت عليهم طبيعة المنطقة التي سكنوها أن ينظروا إلى البحار، لأن السهل الساحلي ضيق حيث شكلت الجبال سداً بين المنطقة الساحلية والمناطق الداخلية لذلك صنعوا سفنهم وركبوا البحر للتجارة فيه، ومن أهم مدنهم أوغاريت (رأس شمرا) في سوريا الذي نقب فيها منذ عام 1929 كلودشيفر. وتبين أنها كانت مركزاً تجارياً هاماً. وفيها اكتشفت أبجدية يرجع عهدها إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد ويعتبر ، مكتوبة بالمسمارية وتضم ثلاثين حرفاً وبلغت أوج ازدهارها في القرن الثاني عشر . وكذلك مدينة جبيل (بيبلوس) التي كانت علاقتها مع مصر متينة. وصيدون سيدة الساحل الفينيقي ما بين 1500 ـ 1200 ق.م.، لقد سيطر تجار صيدون على قبرص الغنية بالنحاس، ورودس وعدداً من بحر إيجة، حيث الرخام والكبريت والذهب والأرجوان. وجزيرة أرواد مقابل طرطوس] التي كان لها اسطولها البحري وسيطرت على جزء من الساحل الفينيقي الشمالي واسطولها وسفنها ومراكبها تجوب البحر وتبسط سيطرتها .
ومدينة صور التي أصبحت زعيمة المدن الفينيقية من 1000 ـ 500 ق.م. فكانت مراكبهم تصل البحر الأحمر، حتى وصلت إلى الهند وعادت محملة بالتوابل والذهب والأحجار الثمينة، ووصلوا في تجارتهم إلى انكلترا.
والفنيقيون هم الذين أسسوا مدينة قرطاجة في تونس حوالي عام 804 ق.م. والتي تبعث صور ولكنها أشرفت على بقية المراكز في غربي المتوسط وكانت ترسل في كل سنة بعثة إلى معبد ملقارت إله معبد صور. وتقدم إليه عشر وارداتها. وقد ازدادت أهمية قرطاجة بعد سقوط صور بيد الكلدانيين. إذ انتقل إليها التجار الصوريون، ولما بدأت الدولة الرومانية بالتوسع اصطدمت بقرطاجة وببطلها الأسطوري هنيبعل. الذي غزا إيطاليا نفسها بعد حروب البونية الشهيرة. والتي انتهت في آخر الأمر باستيلاء الرومان على قرطاجة عام 146 ق.م. فحرقوها ودمروها تماماً. والفنيقيون هم أول الشعوب البحرية وكانت لهم صولاتهم وجولاتهم في البحر المتوسط .
وكذلك يعد اختراع الحروف الأبجدية المعروفة بالكتابة الكنعانية القديمة أعظم الاختراعات والتي اشتقت منها أبجدية أوغاريتالسورية التي تعد من أقدم وأكمل الأبجديات .
لقد راودت مخيلتي هذه الأفكار وأنا جالس في سهرة المساء مع الأصدقاء أستمع لأغانيهم وأهازيجهم بعد أن شكلوا حلقة حضرها بعض منهم،بعد أن جاؤوا من سلمية خصيصاً ليشاركوا في هذا الكرنفال والذي غمره وسيجه بقلوبهم وعواطفهم حميمية الأصدقاء ،وصدى أمواج البحر وهي تتدافع على شاطئ لازوردي ساحر ينقلك في عبابه إلى ممالك وأساطير القدماء،فتمتزج بموسيقى الأمواج ثقافة الماضي وأصالته،بوعي الحاضر وطموحاته،ونحن في هذه الجمعية الأهليّة يعنينا نجاح تجربة المجتمع الأهلي وتحقيقه لأهدافه ومن أهم هذه الأهداف:توطيد أطر التعاون والمحبة بين الجميع،ونكران الذات،والاعتراف بثقافة الاخر، وإذا ماقادتنا هذه المثل النبيلة في مسيرة الحاضر وصولاً إلى قطف ثمار المستقبل،فإنه لاشك سوف يعلو شأن مدينتنا سلمية،وترتفع عالياً راياتها الثقافية والبيئية والاجتماعية، وهنا لابد أن أنوه وأشيد بدور الصديقات اللواتي يشاركن في كلّ نشاط تعلن عنه جمعية أصدقاء سلمية،وهذا يترك انطباعاً طيباً عندنا وعند الآخرين،الذين يشاركوننا أحياناً،أوعند المستمعين أو المشاهدين كما حدث في سهرة الأصدقاء والصديقات على شاطىء البحر.
أيّها البحر إنّ في تدافع أمواجك نغم ورقة وشفافية، ترق لها قلوب المحبين،وتصغي إليها نفوس التائهين واللا مبالين.
وفي صوت هديرها زمجرة وصخب وغضب،قد ينصف إيقاعها المظلومين،
ويعلي صوت الحقيقة عند من لايستطيع إيصالها للآخرين.ولأنك لاتخاف من الآخرين..!!
وقد وصف الشاعر (إبراهيم طوقان) ثورة أمواج البحر بقوله:
هُوَ ذا البَحر مزبداً يَتعالى == إِثر بَعض أَمواجه تَتَوالى
تَلطم الصَخر كَبرياءً وَعنفاً == ثُم تَرتَد للخضم خذالى
بِضَجيج كَأَنَّهُ زَجل الرَع == دِ وَرَجف تَخاله زلزلا
أيّها البحر لقد ضاعت في عبابك الأسرار، وتاهت الأذواق والأفكار،وشجت على سواحلك الطيور،وعزفت الأوتار.
أيها البحر ستبقى في امتدادك نحو المجهول لغزاً،وسراً عميقاً!!.
أيّها البحر سيبقى لغزك من أصعب الأحاجي،ويبقى سرّك المجهول من أعمق الأسرار!!.
فارحمني من قسوتك وبطشك... عذراً منك..فعلى شواطئك قد لاأستطيع الانتظار...وقد لمس الشاعر الطباطبائي(عراقي) بحسه المرهف هذا المعنى بقوله:
هيهات يرقد طرفٌ عبَّ في لجج == من السهاد عباب البحر ذي الزبدِ
ولكن ما يهدىء من روعي ويزيل مخاوفي...روعة الماضي.. وتلألؤ الحاضر بهذا الجمع،جمع شمل الأصدقاء...في سهرة المساء على شاطىء البحر...حيث المودة والصفاء...إنها أمسية خاصة...أضيئت فيها وتنوّرت كلّ الأنوار...أنوار الشطّ حيث نجلس...وأنوار الجبل الذي يطلّ علينا من علٍ. وأنوار النفوس السعيدة باللقاء..
فأجمل بها!! وأعظم من أنوار...!!
وفي النهاية لاأقول وداعاً...بل إلى لقاء جديد..في محطّة ثالثة من محطات الرحلة..ومن أجلها فقط يحلو الانتظار.
الكاتب:الصديق حيدر حيدر
سلمية في/10/9/2009
| |
|
