ثالثاً:المسير الرياضي وكرنفال الوراقة...
كان للمسير الرياضي إلى قرى مصياف وبلدانها،محطة استراحة في واحة الوراقة،هذه الأيكة الخضراء الوارفة الظلال،والتي كنت أقصدها ورفاقي كثيراً في صباي،وكنت زملائي بل وكلّ أهل مدينتي سلمية من روّاد هذه الواحة،لما تتمتع به من جمال الموقع،وكثافة الأشجار التي تغطي هذا الملهى الأخضر الجميل،وعذوبة المياه وحسن توزيعها وجريانها عبر أقنية وشلالات في كلّ الاتجاهات،وأجمل ما كان يثير دهشتي وإعجابي،مدخلها الجميل والمنظم وقد زرعت الورود على جانبيه،وعرشت الدوالي وغطّت المدخل ومكان عبور الزائرين بمظلّة لاتسمح لأشعة الشمس أن تنفذ إلى ذلك الممر النضر الخلاب،ولقد وصف الشاعر علي محمود طه ماكان عليه،جمال المكان،وجمال بوابته الساحرة بقوله:
نلقي الخمائلَ بالخمائلِ حولنا == متعانقاتٍ سابغاتِ الفوفِ
وأمّا اليوم فقد راعني وأثار دهشتي واستغرابي ما رأيته من إهمال
لهذا المكان السياحي ذي الماضي العريق ،على الأقل في نظري ونظر من كان يزوره في شبابه من هم في مثل سنّي،ولقد ذكرني هول مارأيته،ومقارنة بين الأمس واليوم،بيت من الشعر قاله الشاعر المصري محمد بن عثمان الهمشري وهو يقف على أطلال مكان جميل ،كان يزوره في صباه،كما أقف الآن فعلى أطلال واحة الوراقة،قال الشاعر:
وَقَد خَيَّمَت فَوقَ العَرائِشِ وَحشَةٌ = = وَصَمتٌ عَلى أَوراقِها الصُفرِ ناشِرُ
أمّا لماذا هذا الإهمال لهذا المكان الساحر؟؟ومن المسئول عن عدم الاهتمام به؟؟
أسئلة أتمنى الإجابة عنها من زوار منتداكم الكرام،وأنا لاأبالغ إذا ذكرت،أنّ مصياف دائماً وأبداً كان تقترن شهرتها عندي،بالروائع التالية:
أولاً وقبل وكلّ شيء بأصالة وعراقة شعبها الكريم،والذي يمتدّ في عراقته وأصالته إلى جذور تاريخية،صلبة ومتينة كصلابة صخور تلاله وأوابده الأثرية.
وثانياً:وكان جمال مصياف،يشدني الترحال إليه أمران:
قلعتها التاريخية،ومنتجع الوراقة الذي لم يكن لأي مكان في ذلك الوقت شهرة له تضاهي شهرة الوراقة حتى وادي العيون..!!
المهم أنّ أصدقاء المسير قد قضوا أوقاتاً سعيدة في استراحة الوراقة،من الساعة الواحد والنصف ظهراً وحتى الخامسة والنصف،فأقاموا حلقات الدبكة،ورقصوا شبابا وصبايا،وأجروا مسابقات رياضية وترفيهية،جعلت الجميع يشعرون بالسعادة والمسرة، وينسون كآبة المكان ووحشته.
وإنني أتمنى على المسئولين مباشرة عن هذا المكان أن يعيدوا إليه ألقه وبريقه البيئي والسياحي بشيء من التحسينات تعيد له شيئاً من مسحة جمال ريف مصياف والتي رأيناها في مسيرنا الرياضي من قيرون إلى حيالين.
وأخيراً ليس لي قبل أن أودعكم ، ليس لي أن أرحل عنكم، قبل أن أعيد على مسامعكم وصف شريط الصور التي رسخت في مخيلتي،عبر هذه اللوحة الريفية الرائعة لريف مصياف الجميل والذي ذكرني بريف قريتي(بري الغربي)عندما كانت جنة من جنان الدنيا،ونبعاً ثرّاً يتدفق ماؤه ليسقي وهاد قريتي ومهادها.
قال الشاعر علي محمود طه وهو يصف بدقة وروعة، ما يثير بي ذكرى ما رأيته بريف قريتي(بري الغربي) في طفولتي وشبابي،وما رأيته بريف مصياف (قيرون ،دير ماما،حيالين )في كهولتي:
والنهرُ سلسال الخرير كأنه == قيثارة سحريةُ التعزيفِ
قومي عذارى الريف والتمسي الرُّبى = نُضراً وغني بالغدير وطوفي
وتفيَّأي الدوحَ الظَّليل ومربأ == للفنِّ تحت أزاهرٍ وقطوفِ
غُصن يطلُّ الفجرُ من ورقاتِه == ويُقبِّلُ الأنداءَ جدَّ شغوفِ
أين الغديرُ عليه يخلع وشيَه == صنعُ الأنامل رائعُ التفويفِ
يا حبذا هو من مراحٍ للصبا == والكوخُ من مشتىً لنا ومصيفِ
صُوَرٌ نزلن على بنانِ مصورٍ == صُوِّرن من نسق أغرَّ شريفِ
أغرينَ بي حُلُمَ الطفولة والهوى == وأثرنَ بي ذكرى ليالي الريفِ
و كشاعرنا صاحب المعاني الرقيقة،والصور الجميلة،غمر قلبي الفرح عندما ودعت وأصدقاء المسير مصياف،وانتابني نوع من الراحة النفسية كما انتاب أصدقائي ذات الشعور وهم يلوحون بالأيدي لأهالي مصياف الكرام،وإلى منتجع الوراقة،وقلعة مصياف الرابضة كالطود الأشم ،وكالفارس المغوار الحارس لمدخلهامن الشرق.
وإلى أن نلقاكم في مسير رياضي قادم نتمنى للجميع المساهمة في تطوير وإنجاح مسيرة المجتمع الأهلي، التي لم ولن تتوقف بفضل جهودكم وتعاونكم،ولأنّ نجاحها وتقدمها من نجاحكم وتقدمكم.
وفق الله الجميع إلى ما فيه خير الوطن والمواطن،في بلدنا الآمن.
وشكراً.
سلمية في/25/9/2009
الكاتب الصديق:حيدر حيدر
25/9/2009, 4:09 am