من وحي المسير الرياضي، إلى سلسلة تلال العلاة(المخشخش،العب الدافىء).

ذهبي عدد الرسائل : 320 تاريخ التسجيل : 13/11/2008

من وحي المسير الرياضي، إلى سلسلة تلال العلاة
(...المخشخش... والعب الدافئ)

مرة ثانية في هذا الأسبوع ،كنت على موعد مع شفافية ضباب الصباح الكثيف،الذي سدّ المنافذ إلى إشراقة نور الصباح المضيئة ،ومن ثوبه الأبيض المكمّد قليلاً،لبست الطبيعة ثوباً شفافاً جميلاً، وأضفت عليها قرمزية الضباب،حلماً شاعرياً،قلّما يتسنى لشاعر أن يرى لوحته على أرض الواقع،وبين منعطفات الشوارع التي بدت خالية في هذا الصباح الشتوي الباكر،إلا من جيوش الضباب وهي تزحف في كلّ اتجاه وزاوية،حتى أنّ جذوع الأشجار المصطفة على جانبي الشارع،أخذت أسراب الضباب تفصل بينها،وكأ ن كلّ صفّ ينتمي إلى شارع آخر،و مدينة أخرى،يالروعة المنظر،ورسل الضباب تغمر بظلالها الشفافة، الغابة المجاورة لمنزلي، وتظلّل طريقي وأنا أتجه للقاء أصدقاء المسير.

كان الطقس دافئاً،وكان توقع أن يكون اليوم جميلاً ومشرقاً،مستمّد من مدلول المثل الشعبي(إذا ضبضبت من باكر،فاحمل عصاك وسافر،وإذا ضبضبت من عشيّة،نقيلك قرنة ديفيّة).

وفي الموعد المحدّد لانطلاقة المسير الرياضي،نحو دروبه التي رسمت له في هذا الأسبوع،أقلتنا الحافلة على عجل ،وهي تتوجه نحو قلعة شميميس،وعند حافة الربوة المطلّة عليها،بدأ ترجلنا من السيارة،وبدأ إيقاع أقدامنا يعزف أول خطوات المسير، على طريق ترابية،فيها نتوءات تضاريسية حادة، وبحص بدا كالمسامير يخز أسفل أقدامنا،ويجعل حذاءنا يئن تحت وقع وخزاته المؤلمة، التي أشبه بوخز الدبابيس الحادة،ومع ذلك لانشعر بصعوبة المسالك،لأنّ جمال منظر المكان،وسحر لوحة الطبيعة المحيطة بجبل عين الزرقاء،وتل قلعة شميميس من الغرب والجنوب، وجبل الأطوز وجبل الخضر من الشرق والشمال، وهي تتزين بثوب الضباب، أنسى جميع الأصدقاء صعوبة المسالك،ومباشرة اتجهت أنظار الأصدقاء،نحو قلعة شميميس، التي بدت وهي تتربع فوق مصطبة تل شميميس والضباب يغمر ذراها،كأنها نجمة معلقة بين قاع الأرض، وقبة السماء،وعندما تمعّنت في المنظر أكثر ومن زاوية أخرى للقلعة،بدت لي شميميس كأنها عجوز شاخت، وتربعت فوق مصطبة الدهر، بعد أن خطفت السنون والأنواء بريق شبابها الأخّاذ،وأخذت تحدثني وتعاتبني عتاب صديقين حميمين،عتاباً أشبه بعتاب الشاعر (بشار بن برد) لصديقه،حين أنشد:

إذا كنت في كلِّ الأمور معاتباً == خليلك لم تلق الذي لا تعاتبه

فعش واحداً أو صل أخاك فإنه == مقارف ذنبٍ مرةً ومجانبه

إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى == ظميت وأيُّ الناس تصفو مشاربه

ولقد فهمت فحوى شجن حديثها ،ومرارة عتابها لأصدقاء المسير الذين مرّوا بجوارها،وكأنّها تقول لهم:انسوا حديثكم عن عراقتي وأصالتي،وتاريخي المجيد،واكتبوا على سفح تلّي المطلّ على صحبتكمهنا ترقد قلعة شميميس)

ورغم إهمالنا المقصود لها،وعدم العمل على ترمميها،إلا أنّ مخاطبتنا لها،ظلّت كمخاطبة الشاعر أبي تمام (حبيب بن أوس الطائي) لغيدائه:

كَوَاعِبُ أَتْرابٍ لغيداءَ أصبحتْ وليس لها في الحُسْنِ شكْل ولا تِرْبُ

لها منظَر قَيْدَ النواظِر لم يَزَلْ يَروح ويَغْدُو في خَفَارَتهِ الْحُب

وأصبح رثاؤنا لها، كرثاء ابن رشيق القيرواني حين قال:

وكَمْ قلعةٍ فوقَ السماءِ أَساسُها == وعامِرُها من أَسلافِ عاد وجُرْهُم

أَتاها وكانت ذَاتَ قصرٍ مشيّدٍ == فأَضحت لديه ذَاتَ سُورٍ مُهدَّم

وعتابها لنا ،عتاب عاشق هجره من يحبّه،وهو عتاب ينطق بما قاله البحتري :

قَرُبوا بَعدَ نِيَّةٍ وَاِطمَأَنّوا == بَعدَ إِدمانِ قُلعَةٍ وَمَسيرِ

لِتَداني القُلوبِ إِنَّ تَداني == هِنَّ داعٍ إِلى تَداني الدورِ

لَيسَ في العاشِقينَ أَنقَصُ حَظّاً == في التَصابي مِن عاشِقٍ مَهجورِ

وشدّ الأصدقاء سحر المكان وعراقته،وهم يعبرون وهدة من الأرض كانت في يوم من الأيام،تشكّل حوضة،أو بحيرة من المياه،وخاصة في مثل هذه الأيام من فصل الشتاء،ويروى أنّ عين ماء كانت تتفجر من هذه الفيضة،فتروي الحقول المجاورة، وتسقي قلعة شمسيس،وهي كما يذكر:نفس العين التي كانت تغذي مدينة أفامية عندما أمر أمير سلمية آنذاك، بجرّ المياه إليها عبر قناة العاشق،والله أعلم.

ومن على سفح جبل( المخشخش)أطلّت علينا شميمس، وهي تسبح في بحر سراب الضباب،و سلسلة التلال المحيطة بها،تزنّرها بزنّار من الخضرة،وتفرش واديها ببساط خضرة النباتات الشتوية، التي غطّت سهل ذلك الوادي النضر،وبدا المنظر من عل،وكأنك تطلّ على مرج أخضر ،أو بستان وارف الظلال،وتابع أصدقاء المسير يغذّون مسيرهم في طريق ترابية تحاذي سفح جبل أبي زيد،وفجأة يدخل الأصدقاء في حقل ألغام ولكن من الكلاب،وعلى صوت نباحها المتواصل، ومرافقتها لنا على جانبي الطريق،تابع أصدقاء المسير سيرهم ولكن بحيطة وحذر شديدين،والدهشة ترتسم على محيّا الجميع،فقد كان هذا الحشد الكبير من الكلاب،يرافق قوماً من البدو ويحرس قطيعهم،والشيء المدهش، والذي بدا واضحاً للجميع، أنّ عدد الكلاب حول مضارب بيوت هؤلاء البدو، وما يلتفّ منها، ويصطفّ، وينبح على جانبي طريق المسير،أكثر من عدد قطيع مواشيهم،فلا بارك الله في قوم، عدد كلابهم يفوق عدد قطيع مواشيهم.

وفي بعض مراحل دروب الميسر الجميلة،رافقتني الطفلة(بيسان)أصغر أصدقاء مسير اليوم سنّاً، بينما كنت أسألها عن تفسير بعض الأحجيات والفوازير التي سألني عنها بالأمس حفيدي(إياد)رفيقها في مدرسة(نور الإيمان)الخاصة،وكانت تجيبني عنها بسرعة وذكاء ملحوظ.وبالمناسبة فإنّ لفظ (طفلة)يطلقه إخواننا المغاربة على الفتاة،حتى ولو كانت شابة يافعة،وبيسان طفلة في عمرها،ولكنّها شابة في توقّد حيويتها ونشاطها.

وبيسان(لغة)كما جاء في معجم لسان العرب لـ (ابن منظور): الأصل الثلاثي:بيس

الفراء: ياسَ إذا تبختر. قال أَبو منصور: ماس يميس بهذا المعنى أَكثر، والباء والميم يتعاقبان، وقال: باسَ ارجلُ يَبِيسُ إذا تكبر على الناس وآذاهم.

وبَيْسانُ: موضع بالأُرْدُنِّ فيه نخل لا يثمر إِلى خروج الدجال.

التهذيب: بَيْسانُ موضع فيه كُروم من بلاد الشام؛ وقول الشاعر:

شُرْباً بِبَيسانَ من الأُردُنِّ هو موضع.

قال الجوهري: بَيْسانُ موضع تنسب إِليه الخمر؛ قال حسان بن ثابت:

نَشْرَبُها صِرْفاً ومَمْزُوجَةً == ثم نُغَنِّي في بُيوتِ الرُّخامْ

من خَمْرِ بَيْسانَ تَخَيَّرْتُها == تُرْياقَةً تُوشِكُ فَتْرَ العِظامْ قال

ومّما يؤكد هذا المعنى قول الشاعر الأموي( الأخطل )، في وصف خليلته:

وَقَد سَقَتني رُضاباً غَيرَ ذي أَسَنٍ == كَالمِسكِ ذُرَّ عَلى ماءِ العَناقيدِ

مِن خَمرِ بيسانَ صِرفاً فَوقَها حَبَبٌ == شيبَت بِهِ نُطفَةٌ مِن ماءِ يَبرودِ

يا يَومَنا عِندَها عُد بِالنَعيمِ لَنا == مِنها وَيا لَيلَتي في بَيتِها عودي

حفظ الله طفلتنا بيسان،وأدام لأهلها، ولأصدقاء المسير نشاطها وتوقدّها وذكاءها.

و على سفح جبل(المخشخش) من الجهة الشمالية،وبين أحضان ما يسمى بالعب الدافئ،وفوق بساط من المرج الأخضر، جلس الأصدقاء في استراحة المسير،وتحلقوا لاحتساء المشروبات الساخنة،ومنها( المتة)، مشروب الفقراء المعتاد تناوله قبل الطعام، وبعد الطعام،وفي كلّ زمان ومكان،وفي استراحة اليوم جلس الأصدقاء يتسامرون بجوّ من المحبة والإلفة،وعلى صوت إيقاع وأغاني صبايا وشباب المسير،بدأت أشجار الصنوبر التي تظلّلنا بظلّها،تتمايل وتهتزّ وترقص في عرس المسير،وصوت ترجيع غناء الأصدقاء يجلجل صداه في الوادي الذي نشرف عليه من عل،وكأني بالشاعر اللبناني(أبو الفضل الوليد)يغني وينشد معنا:

لا حُسنَ إِلا بالشبابِ ولا هوى == وكِلاهُما بعد الشبابِ يزول

والشعرُ كالينبوعِ من قلبِ الفَتى == أبداً لإنضارِ الجمالِ يسيل

فتمتَّعي قبلَ المشيبِ ومتِّعي == فالنضرُ في زمنِ الخريفِ قليل

واجني الأزاهرَ وانشُقي منها الشَّذا == ما دامَ غصنُ القدِّ منكِ يميل

الغصنُ يُرجى ظلُّهُ في نضرهِ == والعشبُ من طلِّ الصَّباحِ بليل

إنّ الشبابَ لهازلٌ متقلِّبٌ == ولهُ غناءٌ في الهوى وعويل

أدام الله على أصدقاء المسير ثوب الشباب،وأدام لنا سماع صوت غنائهم وشدوهم، وكأننا نجلس وإياهم في دوح مكتظ بالبلابل.

وعلى صوت غناء شباب المسير،وبمرافقة شرب كأس المتة،بدأ صديقي الفنان(محمد النظامي)يحدثني،وأنا أصغي إلى وقع حديثه بشيء من الدهشة والإعجاب عن لوحاته المزخرفة النحاسية،بعضها لمناظر طبيعية،وبعضها رسوم لآيات قرآنية،ومنها لوحة بالخطّ الكوفي مازال يحوك ويجدل خيوطها النحاسية بدقة وإتقان منذ أكثر من سنة،حتى بدأ الضجر يتسرّب إلى نفسه،لأنه استغرق وقتاً طويلاً في إنجازها،والفنان المبدع دائما يحبّ التجديد،وشرح لي عن معاناته في عدم قدرته على تسويق لوحاته، التي يريد أن يعوض شيئاً من تكلفتها،وعن عنائه المرير في صنعها،وخاصة كيف أنّ اللاصق (الألتيكو) الذي يستعمله بدأ يأكل أنامل أصابعه،ولا بديل له عن استعماله،شجعوا معي هذا الفنان المبدع،ومدّوا له يد الدعم المادي والمعنوي،من خلال شراء لوحاته،أو تسويقها لدى ذوي الذوق الرفيع. وكما تعلمون أنّ الفنان في بلادنا مظلوم،لأنّ الفنّ لديه ليس فقط هواية يقبل عليها ويمارسها بإحساس وذوق مرهف،وإنما وسيلة لتأمين حياة كريمة بعيداً عن العوز والحاجة،ولنضمّ صوت المجتمع المدني في قطرنا،لدعم كلّ الفنانين،

ومن أجل أن يلقى فنانو بلادنا الرعاية والحماية والاهتمام،ومع أطيب تمنياتي وتمنيات أصدقاء المسير الرياضي للصديق الفنان (محمد النظامي)في النجاح والتوفيق، وتحقيق كلّ طموحاته الفنيّة المستقبلية.

تحياتي لكم أصدقائي، في نهاية هذا المسير الناجح واللطيف والدافىء (في العبّ الدافىء)، وبين أحضان الطبيعة الساحرة،وشكرا لصبايا وشباب المسير الذين أمتعونا برفقتهم وشدوهم ولهوهم،ووداعاّ على أمل أن نلتقيكم في الأسبوع القادم، بمسير جديد، بعون الله.

سلمية في/13/شباط /2010

الصديق: حيدر حيدر

ذهبي عدد الرسائل : 55 تاريخ التسجيل : 31/01/2010

شكراً للصديق حيدر على توثيقه المسير الأسبوعي الرياضي بهذه المقتطفات الأدبية الممتعة, وأتمنى أن أرى أعمال الصديق محمد النظامي في أحد المعارض الفنية اللي ستقيمها الجمعية مستقبلا, و تمنياتي له بالتوفيق.

لقد فرحت بيسان كثيراً عندما قرأت ما كتبتَ عنها, فشكراً لك.

لقد قرأتُ مرةً أن كلمة بيسان تعني بيارات الحمضيات و لذلك سميت مدينة بيسان في فلسطين نسبة لبيارات البرتقال و الليمون و ما شابه من الحمضيات التي تنتشر فيها, كما و قد غنت لها السيدة فيروز أغنية جميلة و معروفة.

كان مسير جبل المخشخش جميلاً و ممتعاً بمناظره الخلابة,و أشجار الصنوبر مزينة بأكواز طبيعية, و أكواز بيضاء غريبة الشكل, علمنا أنها لحشرة ضارة تدعى بجادوب الصنوبر, مما أزعجنا في نهاية المسير, لأنها تقضي على الأشجار. و عندما عدنا إلى المنزل اتصلت بالمهندس الزراعي المسئول عن الحراج في مصلحة الزراعة بسلمية, و قد أعلمتني الإدارة أن الجهات المختصة تقوم بحملات للمكافحة نتمنى لها النجاح.

و إلى اللقاء في كافة نشاطات الجمعية.

ذهبي عدد الرسائل : 320 تاريخ التسجيل : 13/11/2008

ردّ على موضوع من وحي المسير الرياضي إلى المخشخش والعب الدافىء

***********************************************

شكرا للصديقة (ندى) على مشاركتك اللطيفة،وعلى ردّك الجميل والمعبّر عن موضوعمن وحي المسير الرياضي إلى سلسلة تلال العلاة..مع تقديري واحترامي حول رأيك اللغوي في تفسير كلمة(بيسان).وملاحظتك الزراعية الهامة حول الحشرة الضارة التي تدعى بجادوب الصنوبر،وشكراً لتطوعك واتصالك بالمهندس المسؤول في دائرة الزراعي،كي تتم المبادرة الفورية والمباشرة في مكافحة هذه الحشرة الضارة.وإنني أرى من خلال هذه المبادرة،فائدة جديدة تضاف لفوائد المسير الرياضي،في كشف بعض الآفات الحقلية والثمرية،وهذا تطوّر هام وجديد في توسيع آفاق أهداف المسير الرياضي ،وأنا على يقين أنّ مشاركتك يجب أن تلزم المسؤولين في أصدقاء المسير الرياضي، على إضافة بند جديد على بنود أهداف المسير الرياضي..ألا وهو استطلاع الحقول الزراعية،من خلال دروب المسير،والكشف عن بعض آفات وأمراض الأشجار والمزروعات،وتنبيه المسؤولين كي يبادروا إلى مكافحتها والقضاء عليها..

شكراً لك مرة ثانية،وأتمنى أن أرى تعليقك وردّك المعبّر عن كلّ موضوعات المسير الذي تشاركين به.

الصديق: حيدر حيدر

الاستاذ حيدر ...

كالعادة برجع لنفس اللحظة وقت بقرأ موضوعك ....

وبالنسبة ل بيسان صارت من المنافسين الي بكل مسير.....

وبتمنى كل التوفيق للفنان محمد النظامي وتحقيق كل طموحاتوا

والشكر الأكبر للأستاذ حيدر من تمنياتي الك بالصحة والعافة وبشوفك المسير القادم انشالله