من وحي المسير الرياضي إلى..( تل عمري)..

ذهبي عدد الرسائل : 320 تاريخ التسجيل : 13/11/2008

(...من وحي المسير الرياضي إلى..( تل عمري)

عجّل الطقس الدافئ في هذا العام، بقدوم الربيع قبل أوانه،فتفتحّت أقاحي الأرض وازدان بساط الطبيعة بالخضرة والجمال،وتوردّت وجنتاها وتنورت كما تتورد وتتنور أزهار الأرض بمختلف الأشكال والألوان،إنّ الربيع هبة الخالق عزّ وجلّ على الأرض...ألم تسمع قول الشاعر العراقي(إبراهيم أطيمش)وهو يحدثك عن جمال الربيع،وسحر الطبيعة فيه،تعالى معي عزيزي القارئ واستمع إلى سحر البيان وجمال التصوير ،وكأنه نظم لوصف دروب المسير..يقول الشاعر:

جرى في نثنيه الربيع أما ترى == تلون خديه بمختلف الزهر

ومرت على ألطافه نسمة الصبا == فمال وقلنا إنها نشوة الخمر

سكرت فما أدري أمن خمر ريقه == وقد ساغ أم من خمر مقتله سكري

وحالي كحال الشاعر،فقد سكرت من أنس وصحبة أصدقاء المسير،ومن بهاء الطبيعة وسحرها، ونحن ننطلق في دروب المسير لهذا الأسبوع من عيدون في واحة السطحيات ،الواقعة في سهل المزيرعة غرب سلمية..قاصدين بلدة القنيطرات التابعة إدارياً لمحافظة حمص، متوجهين في مسيرنا نحو بلدة تل عمري التي تبعد عن نقطة بداية الميسر حوالي(خمسة عشر كيلو متراً).

ومما أدهش أصدقاء المسير وأثار إعجابهم في بلدة القنيطرات،المشفى الذي بني حديثاً،وسميّ باسم (مشفى النعيم الخيري)وفد بني بمساعدة خيّرة وكريمة من دولة عربيّة خليجية شقيقة،ورغم أنّ هذا المشفى لم يوضع في خدمة المرضى بعد،إلا أنّه كما هو واضح من منظره الخارجي ،قد جهز بأحدث التجهيزات الطبيّة،ومن هذه التجهيزات سيارة إسعاف توقفت في الردهة الأمامية للمشفى،فبوركت كلّ الجهود، والشكر لكلّ الأيدي التي عملت وساعدت في إنشاء هذا المشفى ليخدّم أبناء هذه المنطقة النائية من ريفنا الأخضر الجميل.وكما يقول الشاعر الأمير بن عبد المؤمن من العراق في الحثّ على عمل الخير:

فَسَوفَ تجزى بِما قَدَمت مِن عَمَل == وَزارع الخَير في الدُنيا سَيحصده

قَد كانَ أَحمَد عُمر المَرء أَطوَلَه == فَاليَوم أَقصر عُمر المَرء أَحمَده

أو كما يقول الشاعر(المعولي العماني):

ورَوِّض النفسَ وَوَطنها علَى == عَمل الخير ومِنهاجِ السبُلْ

فهيَ كالطفل إذا نهنهته == عنَ رضاعِ الندْىِ عنه ينفصلْ

فمن عمل خيراً يلق خيراً،كما قال الشاعر المصري(محمد شهاب الدين):

من عمل الخير نال خيراً == سرّ به قلبه الحزين

فليرى أصحاب الثروات،ومن يكنزون الذهب والفضة،صرح هذا المشفى الذي أنشئت أعمدته على أكتاف فاعلي الخير،وليتعظوا ويتصدقوا فمجالات وميادين الصدقة وفعل الخير كثيرة وفسيحة،كسهوب ووهاد ومهاد المسير الرياضي الذي انطلقنا في دروب حواكيره الضيقة،من بلدة القنيطرات وحتى بلدة عز الدين ،عبر البساتين المزروعة بأشجار الزيتون الخصبة،وتحت ظلال أشجار اللوز التي تمايلت وأغصانها ورقصت وهو يحركها النسيم الربيع اللطيف، وقد لبست ثوب زفافها من أزهارها البيضاء، والمزركشة بزينة أكاسيها الحمراء، وفاحت منها أزكى الروائح العطرة وأطيبها:يقول ابن الوردي وهو شاعر من معرة النعمان يصف شجر اللوز وأزهاره :

يا شجرَ اللوزِ ترنحْ وملْ == عجْباً فمنْ حقِّكَ تختالُ

الزهرُ في جيدِكَ درُّ الحلي == والماءُ في ساقِكَ خلخالُ

أو كما يصف أزهارها الشاعر التلمساني الملقب بـ( الشاب الظريف):

تَبَسَّمَ زَهْرُ اللَّوْزِ عَنْ دُرِّ مَبْسَمٍ == وَأَصْبَح في حُسْنٍ يَجِلُّ عَنِ الوَصْفِ

هَلُمَّ إِلَيْهِ بَيْنَ قَصْفٍ وَلذَّةٍ == فإِنَّ غُصُونَ الزَّهْرِ تَصْلُحُ لِلقَصْفِ

وتناثرت أزهار اللوز على الثرى، مودعة الشجرة الأم ،وكأنّهادرر أو لآلىء تناثرت على الأرض،وقد أوحت هذه اللوحة الرومانسية للشاعر جبران خليل جبران،بمقطوعة فيها من الأنغام الموسيقية الشجيّة التي غنّت بعض أبياتها السيّدة فيروز بصوتها الملائكي الجميل،بأعذب الألحان.يقول جبران:

فَإِذا ما اللَّوزُ أَلقَى == زَهرَهُ فَوقَ الهَشيم

لَم يَقل هَذا حَقِيرٌ == وَأَنا المَولى الكَريم

أَعطِني النّايَ وَغَنِّ == فَالغِنا مَجدٌ أَثيل

وَأَنِينُ النّايِ أَبقى == مِن زَنيمٍ وَجَليل

وأجمل ما قرأت عن وصف رياض الربيع،وقد زيّنتها أزهار اللوز بحلتها الزاهية،قول الشاعر الأندلسي(أبو عامر بن مسلمة)والشعر الأندلسي مشهور بوصف المشاهد الرومامنسية الطبيعية كما عند ابن زيدون وابن خفاجة وغيرهما،قبل رومانسية الشعر الفرنسي وقبل شعرائه المشهورين.يقول بن مسلمة:

يا زهر اللوز لقد فقت في ال == إحسان والحسن فأنت البديع

قد حزت حسنين وحازت نوا == وير الربى حسناً فأنت الرفيع

تعلو بهار الروض حسناً فقد == أصبحت مخصوصاً بحب الربيع

قد أمك الوصاف إذ شبهوا == غيرك بالخد وجار الجميع

كالمشرب في حمرة == من يره أصبح لا يستطيع

قلت إذا عاينوا == جمالك النورين عند الطلوع

النواوير اغتلاءً فيها == في زهرها غير سميع مطيع

فما أجملها من لوحة زيّنت بساط المسير الرياضي لهذا اليوم،كما زيّنه ماجرى من حوار وأحاديث متبادلة بيني وبين بعض أصدقاء المسير،وكان محورها يدور حول ضرورة تكاتف وتعاضد وتعاون المجتمع الأهلي في هذه مدينتنا الحبيبة سلمية،وضرورة هضم الأنا المفخمة،وما ذكرته لي إحدى الصديقات:إنّ علّة مجتمعنا المدني في هذه المدينة،تكمن في هذه (الأنا)التي لانستطيع التخلّص منها،ومثل وأهداف المجتمع المدني،بعيدة عن الأثرة والأنانية،ومن صلب أهدافها ومثلها حبّ الإيثار والتفاني في خدمة الآخرين،وما العمل الطوعي إلا ثمرة من ثمار الإيثار والاعتراف بالآخر،والإيمان بإعطاء الفرص للجميع،بعيداً عن النفعيّة والمصالح الذاتية الضيقة،فأصلحنا الله لما فيه خير هذه البلدة ،حتى لاتصبح أنواء المجتمع المدني فيها،كأنواء المسير الرياضي في هذا اليوم،الذي سرعان ما تلبدّت غيومه في قبة السماء،وبدأت زخات المطر تقرع رؤوسنا،ونتمنى من كلّ قلوبنا لسماء المجتمع المدني في مدينتنا إذا ما اسوّدت وتلبّدت بالغيوم،نتمنى أن تهمي مطراً،لا قذائفاً، أو هجاء يتبادله ذوو العقول الضيقة،ممن جعلوا من أنفسهم مسؤولين عن مسيرة المجتمع الأهلي في هذه المدينة،والحمد لله أنّ المسئولين عن المسير الرياضي ليسوا كهؤلاء،بل هم ديمقراطيون ومنفتحون على الآخرين، كانفتاح ذراعي الطبيعة الخلابة،وهي تحضن أصدقاء المسير وتضمّهم إلى صدرها الحنون،فيجلسون تحت ظلال أشجارها الوارفة يحتسون كؤوس المتة،ويتبادلون الأحاديث الودية،وينشدون ويغنون الأغاني الشبابية المرحة التي تعبّر عن فرحهم وأجوائهم الأهلية الودّية بل الحميمية،وأصعب اللحظات برأيي عندهم هي لحظات الوداع بعد مسير رياضي مفيد للجسد والروح،ودواء الروح أنجع من دواء الجسد...

سئل طبيب كسرى عن دواء المشي فقال: ((سهم ترمي به في جوفك أخطأ أم أصاب.))

وكما قال أحدهم: (راحة الروح في الراح، وقرة العين في الوجوه الصباح ..)

وأنتم يا أصدقاء المسير في وجوهكم الصباح... قرّة العين، وراحة البال،وواحة كلّ تعب..تشغله هموم الدنيا ،عمّا حوله من متع وجمال..

أدام الله عليكم المسرّات ولا شغل بالكم ،إلا بما هو خير لهنائتكم..وإسعادكم ..

وإلى أن ألقاكم في مسير قادم أتمنى للجميع الحبور.. والسرور، على مدار الأيام والشهور..بل والدهور..

سلمية في /21/شباط/2010

الصديق:حيدر حيدر
من وحي المسير الرياضي إلى..( تل عمري).. Icon_lol

[/b]