من وحي المسير الرّياضي إلى غابة جبل عين الزرقاء الحراجي2

ذهبي عدد الرسائل : 320 تاريخ التسجيل : 13/11/2008

من وحي المسير الرّياضي إلى غابة جبل عين الزرقاء الحراجي2

***************************************

أولا: الوصف العام، ووقفات قصيرة على منصات التاريخ والأوابد الأثرية:

للأسبوع الثاني على التوالي،توجّه الأصدقاء في مسيرهم الرّياضي الأسبوعي إلى جبل عين الزرقاء الحراجي غرب سلمية،ولكن في هذه المرّة صعدوا إلى قمته من الجهة الغربيّة،ملتّفين حوله كرّحالة يحاولون اكتشاف أسراره من كلّ الجهات...

**************************************

أصدقاء المسير يحثّون الخطا على دروبه من الجهة الغربية لجبل عين الزرقاء الحراجي..ويرى في المشهد ظلال أشجاره الكثيفة

***************************************

اتجه الأصدقاء أولا: شمالا ،ثم انحرفوا شرقا، ثم اتكؤوا على خاصرة الجبل المكلّلة بكثافة بأشجار الصنوبر والسّرو والأشجار الظليلة الباسقةالتي تغطّي حنية الوادي المطلّ على قلعة شميس، كما يطلّ عاشق مشتاق من شرفته على محبوبته وهي متربعة صامتة تهمس له بأسرارها الدّفينة وتحدّثه حديث الحضارات والأمجاد عن غابر تاريخها..

*************************************

قلعة شميميس الرّابضة فوق قمّة من المجد،والأوابد العريقة.

**************************************

ما أعظمك أيتّها القلعة...!! وما أعظم شموخك وأنت تقفين كالّنسر المحلّق في ربا سلسلة جبال العلاة الممتدّة من الشرق إلى جبلي الخضر والأطوز، و وشمالا حتى جبل أبي زيد، حيث تتوالى السلاسل الجبلية إلى قلعة (الرّبا) ثمّ تزحف شمالا وشرقاً إلى تلال إسرية، والأندرين ذات الأوابد الأثرية..

************************************

قلعة شميمس وإطلالتها على سلسلة من التلال الأثرية حتى جبال البلعاس شرقاً، والأندرين وإسرية شمالاً..

************************************

وفي معناها يقول أبو العلاء المعري في مؤلفه الفصول والغاياتوعقد الأندرى: بناؤه. والأندرى:منسوب إلى الأندرين لأنهم كانوا أصحاب بناء وقناطر).ولقد خلّدها الشاعر الجاهلي (عمر بن كلثوم) في معلّقته

الشهيرة ،حيث وصف خمورها بقوله:

أَلا هُبّي بِصَحنِكِ فَاَصبَحينا== وَلا تُبقي خُمورَ الأَندَرينا

مُشَعشَعَةً كَأَنَّ الحُصَّ فيها == إِذا ما الماءُ خالَطَها سَخينا

وعلى امتداد النّظر نحو الشمال تنقلك الحكايا والروايات التاريخية إلى تلك المعارك التي كانت تدور رحاها في شعاب تلك الوديان،وعلى سفوح تلك التلال ،وكم شهدت تلك الفترات القديمة من تاريخنا انتصارات على الظلم، ورحيلا لملوك حكموا تلك المنطقة في مختلف الحقب والمراحل التاريخية ومنها فترة الأيوبيين، وهنا يذكرها المؤلف البعلبكي(اليونيني)في كتابه(خيل مرآة الزمان): (وكان سبب انتزاع الملك الناصر حمص من الملك الأشرف، أنه سلّم قلعة شميميس في سنة خمس وأربعين إلى الملك الصالح نجم الدين بسفارة مخلص الدين..إلخ ).

صعد الأصدقاء إلى ذروة الجبل ،وتأخرت عنهم بسبب مرافقة حفيدي الصغير(إياد) الذي لم يتجاوز العشر سنوات من العمر لي في هذاالمسير،وكان يلهث وهويصعد إلى الذروة وكأنّه سلحفاة بطيئة تتعثّر في مشيتها،ومع ذلك تابع خطواته الوئيدة حتى النّهاية، نظراً لتشجيعي وتحفيزي له،ولقد ذكرني إصراره على مرافقتي،وعزيمته التي لم تلن، واستيقاظه منذ الصباح الباكر لتحقيق مايصبو إليه،ذكرني بحكمة شيخ الشعراء أبي الطيب المتنبي، وهو يمدح أمير حلب سيف الدولة الحمداني في قوله :

عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ == وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ

وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها == وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ

فيالها من حكمة نرى بأنّنا بحاجة إلى تطبيقها في مثل هذه الأيام من تاريخ أمتنا العربيّة.نتمنّى من كلّ قلوبنا أن تحقّق هذه الأمة كلّ أمانيها وطموحاتها المستقبلية الصاعدة في الحرية والكرامة.ولحفيدي الصغير أقول، ما قاله الشاعر اللبناني(حنّا الأسعد)لحفيده حين فاخر به وبالمنبت الأصيل :

لا غرو أن فاخرت كل معاصرٍ == إن الحفيدَ إلى الجدود لفي صدَر

من كان من آل الكرام فإنَّهُ == يبقى على الخلق الكريم بلا نكر

ثانياً:الضّياع:

تأخرت وحفيدي في الوصول إلى القمّة الغربيّة للجبل والمطلّة على السهول الممتدّة حتى بلدة تلدرة غرباً وسهل المزيرعة جنوباً،وحيث كان الأصدقاء قد سبقونا وجلسوا في ظلّ غرفة(المحرس الغربي)لحراج الجبل يستريحون من عناء المسير،جلست وحفيدي بجوارهم ،وأمامنا انبسطت سهول تشمّع لونها بفصل الحصاد،وعلى مقربة منّا تناثرت بقايا لمقاعد حديدية حطمّها المستهترون والعابثون بهذا المنتجع البيئي الجميل

***************************************

المقاعد التي حطمّها العابثون والمستهترون، والتي وضعت في قمّة الجبل لراحة الزوار والمتنزهين..!!من ياترى يعيد لها بهاؤها..؟؟!!

***************************************

وليثبتوا مقولة طالما ردّدها أنصار البيئة في كلّ زمان ومكان ألا وهيإنّ الإنسان هوالمصدر الرّئيس للتلوّث البيئي)واسمحوا لي أن أضيف عليها(وهو مصدر كلّ تخريب مقصود أو غير مقصود، يلحق بالمرافق والمنتزهات العامة)ولخروج المواطن من دائرة التلّوث، ونشر العبث لابدّ من استمرار التوعية للأخوة المواطنين،وهنا برأيي يبرز دور منظمات المجتمع المدني الذي يقع عليها العبء الأكبر في نشر مثل هذا الوعي وفي ملاحقة تطبيق سلوكه على أرض الواقع.

ثالثاً: الجاحظ والبيئة:

ولقد لحظ كاتبنا الكبير الجاحظ وبحسّ الأديب المرهف في مؤلفه الحيوان،لحظ العلاقة الوثيقة بين فساد طباع الناس، وفساد البيئة المحيطة بهم من من ماء وهواء وتربة حين ذكر:

( أثر البيئة:وقال الصِّنف الآخَر: لا ننكر أنْ يفسُدَ الهواءُ في ناحِيةٍ من النواحي فيفسدَ ماؤهم وتفسُدَ تُربتهم، فيعملَ ذلك في طباعهم على الأيَّام، كما عمل ذلك في طباع الزِّنج، وطباع الصَّقالبة،وطباع بِلادِ يأجوج ومأجوج..الخ).

وأثناء استراحتنا هذه فقد الأصدقاء وأضاعوا مكان تواجد الحافلة التي كانت تقلّنا،وأخذوا يبحثون في تلافيف الغابة عن أيّ أثر لها..دون جدوى.بينما هي في العادة كانت تتبع خطانا في مسيرنا لتحمل من تعب وأعياه المسير، وكم كنت أوّد في هذا المسير بالتحديد أن تكون في أعقابنا ليصعد على متنها حفيد الغصن الغض الذي أضناه المسير الذي يشارك فيه لأوّل مرّة.

***************************************

حفيدي: (الغصن الغض) يحاول جرّ خطواته الثقيلة المتعبة صعودا إلى قمة الجبل...

**************************************

وأخيراً وبعد عمليّة بحث وتحرّ واستقصاء واتصالات عديدة تخلّلتها تعليقات ونكات ظريفة من الأصدقاء حول الحافلةالضائعة وسائقها المفقود ،تمّ العثور عليهما، وحضرت الحافلة لتقلّنا إلى مكان جلسنا فيه تحت ظلال أشجار الغابة ،نحتسي كعادتنا في كلّ مسير المتّة، ونتبادل الأحاديث العذبة ،وليمارس بعض الأصدقاء رياضاتهم المفضلّة، وليعمّ المكان بأكمله أجواء من الإلفة الأسرية، والمحبّة التي تميّز مجتمع المسير..

***************************************

أصدقاء المسير في أجواء محبّة أسرية.. وممارسات رياضية فنيّة

***************************************

وتفرزه عن أجواء الاحتقان التي تسود مجتمعنا المحلّي، وكلّ المجتمع العربي السوري في هذه الأيام، نرجو أن تتحقّق لكلّ أبناء الوطن اللحمة الوطنية والمحبّة الأسرية، بعد أن تتحقّق الأهداف التي يصبو إليها حشد شباب مسيرنا بشكل خاص،وحشود شبابنا ،وأبناء مجتمعنا بشكل عام وشامل، وللشاعر اللبناني قصيدة جميلة أتمنّى أن يقرأها كلّ محبّ لبلاده،أرى في بعض معانيها تعبير عن واقعنا الحالي،فبيت أسرة وشباب المسير، هو أشبه ببيت وأسرة شباب الوطن الذي يقول فيه:

بَيتاً أَوَت فيهِ مَواكِبُ وَحيِه == وَتَمَشَّت الأَحلامُ بَينَ عِمادِهِ

قَصَدَته آمالُ الشَبابِ وَطالَما == كانَت عَذارى الحُبِّ من قُصّادِهِ

حَوِّل عُيونَك عَن مُشاهِدِه فَلَم == تُبقِ الحَوادِثُ مِنهُ غَير رَمادِهِ

وربى لبنان(موطن الشاعر) بالأمس، هي أشبه بربى سورية اليوم:

كَم في رُبى لبنان من مُتَشاعرٍ == نامي الفَسادَ مُفاخِرٍ بِفَسادِهِ

يملي الَّذي أَملاهُ غَيرُ يراعه == وَيَقولُ ذا شعري ووحيُ رشادِهِ

أَيَعيشُ في الماضي وَيَترك غَيرَه == يَبني الجَديدَ عَلى رُسومِ بِلادِهِ

وكلّ مسير ولحمة شبابنا ووطننا بتعاضد وخير وعافية ،ودائماً الأوطان تبقى، والمجتمعات والأفراد يزولون.

الكاتب: حيدر حيدر

سلمية في /28/6/2011/

شكراً لك أستاذنا الكبير حيدر على الجهد الذي تبذله لتقدم لنا هذه المواضيع الجميلة الغنية بالأفكار والصور والأبيات الشعرية التي تحفظ منها الكثير وتقدمها لنا في قالب أدبي جميل.. دمت بمحبة واحترام..

ذهبي عدد الرسائل : 320 تاريخ التسجيل : 13/11/2008

ردّ من وحي المسير الرّياضي إلى جبل عين الزرقاء الحراحي 2
********************************
مع جزيل الشكر أيّها الصديق (أدمين) على إطرائك (غنى الأفكار، والصور، والأبيات الشعرية) التي يتزيّن بها رداء الموضوع الذي أكتبه تحت عنوان من وحي المسير الرّياضي).
وشكراً لك أيضاً، ولكلّ الأصدقاء الذين يتابعونه أسبوعياً ،أو على الأقلّ عندما أشارك فيه رياضة وكتابة.واسمح لي بهذه المناسبة أن أزجي لكم هذه التحيّة معبّرة عن أواصر المحبّة، وشذى بوحها،وعطر ياسمينها، مقدّمة منّي إلى أسرة (المسير الرّياضي)وإلى كلّ المشاركين فيه، والمتابعين لموسوعته النثرية والفكرية والأدبيّة يقول الشاعر(ابراهيم اليازجي)الحمصي المنبت،البيروتي الإقامة:
لَقَد مَلَكَتْ مِنا العَواطفَ فَاِنثَنى == إَلَيها بِأَشجانِ الهَوى كُلّ مَعطَفِ
فَلا زالَ رَوضاً لِلّطائفِ مُحْيياً == بِطيب شَذا أَنفاسِهِ كُلّ مُدنَفِ
يَمرُّ نَسيمُ الشُكرِ في عَذَباتِهِ == فَيَنشُرُ عُرفَ الطِّيبِ في كُلِّ مَوقفِ
أيّها الصديق(أدمين):فليمرّ نسيم شكري على روض المسير وروّاده ،وليحمل في طيّاته، شذا طيب كلّ صبّ،وأنفاس كلّ محبّ.وشوق كلّ عاشق للحريّة وطالبا ًلها في دروبه وفضاءاته النّضرة الخضراء.

حيدر حيدر
سلمية في /29/6/2011/

حيدر محمود حيدر كتب:: مع جزيل الشكر أيّها الصديق (أدمين) على إطرائك (غنى الأفكار، والصور، والأبيات الشعرية) التي يتزيّن بها رداء الموضوع الذي أكتبه تحت عنوان من وحي المسير الرّياضي).
وشكراً لك أيضاً، ولكلّ الأصدقاء الذين يتابعونه أسبوعياً ،أو على الأقلّ عندما أشارك فيه رياضة وكتابة.واسمح لي بهذه المناسبة أن أزجي لكم هذه التحيّة معبّرة عن أواصر المحبّة، وشذى بوحها،وعطر ياسمينها، مقدّمة منّي إلى أسرة (المسير الرّياضي)وإلى كلّ المشاركين فيه، والمتابعين لموسوعته النثرية والفكرية والأدبيّة يقول الشاعر(ابراهيم اليازجي)الحمصي المنبت،البيروتي الإقامة:
لَقَد مَلَكَتْ مِنا العَواطفَ فَاِنثَنى == إَلَيها بِأَشجانِ الهَوى كُلّ مَعطَفِ
فَلا زالَ رَوضاً لِلّطائفِ مُحْيياً == بِطيب شَذا أَنفاسِهِ كُلّ مُدنَفِ
يَمرُّ نَسيمُ الشُكرِ في عَذَباتِهِ == فَيَنشُرُ عُرفَ الطِّيبِ في كُلِّ مَوقفِ
أيّها الصديق(أدمين):فليمرّ نسيم شكري على روض المسير وروّاده ،وليحمل في طيّاته، شذا طيب كلّ صبّ،وأنفاس كلّ محبّ.وشوق كلّ عاشق للحريّة وطالبا ًلها في دروبه وفضاءاته النّضرة الخضراء.

كل التحية والتقدير لأدبك الراقي ولشخصك الكريم .. دمت باحترام وتقدير