من وحي المسير الرياضي إلى مناطق:( الشيخ علي، الغاوي، والصفاوي)

أولا: الوصف العام:

بدأ صباح مسيرنا بالورود الملّونة الشذية الجميلة والمزروعة على بلاط الشارع عند مدخل الجمعية،سلمت يد الزارع والمهتمّ بريّها وحراستها،ويبدو أن لعمرالورود عند شاعرنا(ابراهيم الطباطبائي) فلسفة خاصة،فعمرها قصير كعمر البشر إلا أنّ طيب شذاها يملأ الأنجاد والأغوار:

زمن الورود قصيرة أعماره == وكذا الورود قصيرة الأعمارِ
زمنٌ يتيه الورد فيه تبخترا == بشذاه في الأنجاد والأغوارِ

*******************************************
من وحي المسير الرياضي إلى مناطق:( الشيخ علي، الغاوي، والصفاوي) Up73fb64b00c

عمر الورود قصير كعمر البشر، لكن طيب شذاها يملأ الأنجاد والأغوار!!

***********************************************

توجّه مسيرنا في هذا الأسبوع إلى عدّة مناطق هامة تقع شرق وجنوب سلمية،

*************************************************

من وحي المسير الرياضي إلى مناطق:( الشيخ علي، الغاوي، والصفاوي) Up09e082a032

من وحي المسير الرياضي إلى مناطق:( الشيخ علي، الغاوي، والصفاوي) Up09e082a032

أوّل خطوات المسير في حشده الكبير، تنطلق في الدروب الترابية عبرسهل الشيخ علي الذي تمّ حصاده هذا العام..!!

*************************************************

فإذا مارسمنا شكلاً هندسياً لمخطّط مسيرنا اليوم ،لارتسم معنا شكلا مثلثاً متساوي الساقين تقريباً،رأسه في مركز المدينة،وسهم ضلعه الأول يمتدّ شرقاً حتى منطقة الشيخ علي،وسهم ضلعه الآخر، يمتدّ إلى منطقة المزارع في الجنوب الغربي من سلمية،وإذا ماوصلنا بين نهاية الضلعين بقوس،لتشكلّ لدينا نصف هلال أشبع بقوس قزح،وما ألوان المناطق الواقعة ضمن هذا الشكل،إلا كألوانه،المزيّنة بألق وجمال صبايا وشباب المسير، وخضرة الطبيعة المزروعة بمختلف الأشجار الظليلة والمثمرة، وفي مقدّمتها أشجار الزيتون،وشجيرات الكرمة التي تشتهر بزراعتها هذه المنطقة قديماً، وأعيد غرسها من جديد وكأنّها جزء من تراث ريف سلمية الزراعي..!!

************************************************

من وحي المسير الرياضي إلى مناطق:( الشيخ علي، الغاوي، والصفاوي) Up5f4fc565b8

حبال أشجار الزيتون..وحبال شجيرات الكرمة تتجاوران في خطين متوازيين وتتعانق أغصانهما بإلفة وبساطة ريفية طبيعية.

***********************************************

ماأجمل منظر تلك الشجيرات أو العرائش، وقد تدلّت منها عناقيد حصرم العنب :كأنّها حبّات عقد من اللالىء تدلّى من صدرصبيّة حسناء، وهذه الثمار هي في طريقها إلى النّضج في شهر آب القادم إن شاء الله ..!!يقول الشاعر الحميري(البحر النعامي) من قصيدة يصف فيها كروم آب، وعصيرها الشهي:

أقامت كرومك في شهر آب == من الماء يفهق مثل الجوابي
فيا حبّذا طيبها في الخريف == إذا قهقهت في أعالي الهضاب
ويا حبذا هي في ذي معون -- إذا الصيف ساعدها بانسكاب

ثانياً:ومنطقة الشيخ علي:

منطقة سهلية شاسعة خصبة تزرع بمختلف أنواع الحبوب،كانت ترويها قديماً الأقنية الرّومانية ذات المياه الغزبرة والعذبة،والتي ماتزال آثار مجراها باقية حتى اليوم،دلالة على أهميّتها وكثرتها،وبلدنا سلمية كان تروي سهولها بالعديد منها حتى تجاوز عددها عدد أيام السنّة..!!

*************************************************

من وحي المسير الرياضي إلى مناطق:( الشيخ علي، الغاوي، والصفاوي) Upee47a530c0

أطلال لقناة رومانية قادمةوأظنّها(قناة الشيحاوي) من منطقة الشيخ علي، تخترق سهول منطقة الصفاوي وصولا إلى سهل المزيرعة...!!

*************************************************

ومن منطقتنا ذأت العيون الغزيرة والخصبة جرّت المياه إلى أفامية قديماً،ومّما يدلّ على نشوء حضارات وزراعات خصبة على ضفاف مجرى تلك الأقنية وجود سلسلة من التلال الأثرية،يقول الشاعر أبو القاسم الشابي في وصف مثل نمق تلك التلال،وفي مثل أجواء المسير الشبابية:

وطيرٌ تغنِّي خِلالَ الغُصونِ == وتَهْتِفُ للفجرِ بَيْنَ الورودْ
وزهرٌ ينمِّقُ تِلْكََ التِّلالَ == ويَنْهَلُ من كلِّ ضَوءٍ جَديدْ
ويعبَقُ منه أريجُ الغَرامِ = ونَفْحُ الشَّبابِ الحَيِيِّ السَّعيدْ

ومن تلك التلال، تل الشيخ علي الذي يتوسط تلك المنطقة،وماتزال أوابده شاهداً على ازدهار تلك الحضارة في حقبة كانت الأقنية تحيط بمنطقته السكانية و العمرانية المتوضعة في وسط ذلك السّهل...

************************************************

آبدة (تل الشيخ علي)، من أقدم الأوابد الأثرية في منطقة سلمية..وأصدقاء المسيريصعدون إلى ذروته في مسير سابق لهم إليه.

**********************************************

والذي ماأن بادت حتى توضع بقايا بنيانها وعمرانها على شكل تلال هي بمثاية قلادات حضارية على صدر الطبيعة والسّهول في منطقتنا التي ماتزال بجود تربتها خيّرة ومعطاءة كما في المناطق الي مرّ بها مسير اليوم،ومن في مثل سنّي يتذكرون تلك الطريق الترابية القديمة التي كانت تربط بين بين سلمية من جهة وبري الشرقي من جهة أخرى،والتي كانت تخترق تلك السّهول الخضراء المورفة الظلال..!!

ثالثاً:جدل بيزنطي بين ذكريات الماضي... وثقافة الحاضر..!!

آه يا أيام مضت..كم كنت بسيطة وجميلة بنظري وبنظر النّاس جميعاً،وعندما تعقدّت سبل الحياة ومتطلباتها،واتصلت القيم الحضارية والثقافية بتقنيات العصر من مذياع وتلفاز وكمبيوتر وأصبح الكون قرية صغيرة يزورها في أيّ وقت من يشاء، ومتى يشاء؟؟،اتسع إطار الثقافة الإنساني،ولكن ضاق علىالناس في العالم الثالث مناخ الحرية..الذي يتمتع فيه المواطن الأوربي،فأصبح هناك أناس يعيشون ثقافات القرن الحادي والعشرين،وأناس يحاولون اللحاق بركب البشرية الذي يسرع في جريان تقدّمه ،ربما لينقل الإنسان قريباً إلى الفضاء الخارجي ليبني عليه مستعمراته الجديدة ،وربما أحلامه الرّومانسية التي لم يستطع أن يحققها على سطح كوكبنا التي تتلاطم في محيطاته سونامي التمييز والتفرقة في حقوق الإنسان وحريته،ومصالح الدول المتقدّمة..ولا نعرف إلى أين يتجه ذلك السونامي بنا..؟؟هل يتجه إلى مافيه خير الشعوب وتطورها وتقدّمها..أم يقودنا إلى حروب كونية نتحدث يوما بعد يوم شرخاً عظيما بين مايريده الإنسان..وبين مايسمح له من استغلال مساحة محدودة من الحريّة..وحيّز ضيّق من حصاد العلم والثقافة العصرية المستقبلية..!!وهذا الأمر هو الذي يجعلنا نتذكر نقاوة الماضي ونأسف عليه..مقارنة بحاضرنا المشوّش والمعقد..!!

يقول الشاعر ابراهيم طوقان مرحبّا بشيخ المعرة وشاعرها(أبي العلاء) ربيب الحريّة الفكرية:

مَرحَباً بِالحَكيم محيي المَعري == مَرحَباً بِالنبوغ وَالعَبقَريه
مَرحَباً بِالعَظيم أَكرَم ضَيف == لِمُلوك الجَزيرة العَربيه
فَيلَسوف الفَريكةِ الصائب الرَأ == يِ رَبيب الحُرية الفكريه
بِبَيان كَأنَّهُ نَفَحاتٌ == حَمَلتها يَد النَسيم زَكيه

عزيزي القارىء:هل أنت معي في ماذهبت إليه من وجه نظري في مسير اليوم؟؟

رابعاً: أرض سمحة، ومضيف كريم:

وخير برهان على كرم أرضنا وكروم منطقتنا ذلك ماحدثنا عنه مضيفنا السّمح الكريم الذي استضافنا في مزرعته على كأس المتة،وقدّم لنا الظلّ الظليل، والماء البارد والحلوى مع زوجته التي كانت تصحبنا في مسير اليوم،والتي لاتقلّ كرماًً وسخاء عن زوجها، وكان ذلك في استراحة الأصدقاء بعد عناء المسير،وبعد الاكتواء بحرارة شمس تموز،والتي( يغلي فيها الماء بالكوز) كما يقول المثل الشعبي.

*************************************************
من وحي المسير الرياضي إلى مناطق:( الشيخ علي، الغاوي، والصفاوي) Up55fa7e2092

مزرعة مضيفنا(أبو رشاد) ظلال وماء،مع ابتسامة ترحيب...!!

*************************************************

قال مضيفنا:الذي مافتىء هو وزوجه يرّحبان بنا،ويبتسمان لنا،طوال مدة مكوثنا في مزرعتهم الجميلة التي هي أشبه بواحة خضراء بين جنان مزارع تلك المنطقة ،وهنا، اسمحوا لي أن أتوّجه لهما باسمي، وباسم جميع أصدقائي في مسير اليوم، بالشكر الجزيل، والتقدير على ما قدّماه من كرم الضيافة،وحسن الوفادة والاستقبال.

قال الشاعر الحلبي (نيقولاوس الصائغ) في مكرمات مضيفه:

ضيفُ عبد اللطيفِ ضيفٌ كريمٌ == يا مضافاً اتى لخير مضيفِ
إِن تَبِت في جِوارهِ وحِماهُ == بِتَّ في مَمنَعٍ وظِلٍّ وريفِ

قال مبرهنا على جودة تربة تلك المنطقة ووفرة خيراتها وعطائها:إنّ ثمار الخوخ والدرّاق التي تمّ قطفها من أشجار مزرعته وقبل أن يؤثر عليها الصقيع،قال إنّ ثمارها لايعادلها في النّوع والجودة أفضل أنواع الخوخ والدرّاق الذي يصدّر خارج القطر.ولا غرابة في ذلك..!! إذا ماتوفرّت مياه الرّيّ وطيب التربة..!!

خامساً:أما منطقتي المرج والغاوي:

فما تزال بعض آبارهما تروي جنانهما بمضخات قديمة، أو بالغطاسات عن طريق التنقيط الذي أثبتت طريقة الرّي به ضرورة دعمه وتعميمه من أجل الحفاظ على مخزون المياه الباطنية الذي كاد ينضب بسبب قلّة أمطار منطقتنا، في السنوات الأخيرة ، وهذه البقية الباقية من المياه الجوفية، جعلتهما تبدوان وارفتي الظلال وخضراوين ،و تزرعان بمختلف الخضروات والبطيخ،بالإضافة إلى الأشجار المثمرة وفي مقدّمتها شجيرات الكرمة كما ذكرت آنفاً.وخضروات المرج وبطيخها مشهوران في كلّ المنطقة ومناطق حمص المجاورة..!!

سادساً:نشاطات أصدقاء المسير وحواراتهم الحميمية:

مضى الصبايا والشباب على دروب مسير اليوم أرتالا، أرتالا... وتبادلوا الأحاديث عن أهميّته وفوائده العديدة، ومنها التعرّف على أصدقاء جدد من الصبايا رفدوا تيارات مسيرنا في هذا اليوم،وكان الوئام والفرح باد على الوجوه،وقد بدا التعبير عن فرحهم في الأغاني والأهازيج التي ردّدوها خلال استراحته،كما تبدّت الحيوية والنّشاط على الصبايا والشباب خاصة من خلال ممارستهم لبعض الألعاب الرّياضية الكروية بعد استراحة المتة مباشرة.

*************************************************
من وحي المسير الرياضي إلى مناطق:( الشيخ علي، الغاوي، والصفاوي) Up5ed600bca5

شباب وصبايا المسير يمارسون رياضتهم الجماعية المفضلة في استراحة المسير.

*************************************************

ويذكرني الشباب دوما بأيام الصبا فأردّد مع الشاعر ابراهيم صادق هذه الأبيات:

وذكرني مر الصبا أعصر الصبا == وعهداً قديماً فات بالزمن الخالي
ليالي ريعان الشباب مسلطٌ == يقود زمامي حيثما شاء كالخال
وما أنس لا أنسى عهوداً بربعها == نقضت ولو أرخى إلى الزمان الخال
أما أحاديث الأدب والذكريات الجميلة فقد تبادلها المسنون، وأخصّ في هذا الصدد الصديق(أبو وضاح)الذي كان يروي لمضيفنا(أبي رشاد)،كم كان النّاس قديماً يسافرون من مكان إلى مكان ليسألوا عن حسب ونسب،او عن قصيدة أو قائل بيت من الشعر تناقلته الألسن من زمان إلى زمان ،ومن مكان إلى مكان آخر أكثر بعدا..!! وكا نوايلجؤون إلى المشهورين في العرافة والخيول وذكر صديقنا مثالا على ذلك( سليمان منصور) من سلمية الذي كان يقصده النّاس من أطراف البادية.

سابعاً:الوداع..بعد مسير ناجح وموفق:

أيّها الأصدقاء على دروب المسير..أجملوا ببساط المسير السندسي وبرياضه الغناء على دروبه،وحيّوا صباياه وشبابه أمل كلّ تغيير مستقبلي منشود في بنية المجتمع الأهلي عامة، وفي جمعيّة أصدقاء سلمية خاصة،تغيير يقود مسيرتنا الأهلوية نحو مزيد من الحريّة في العمل،ومزيد من التقدّم والنجاح،والتعاون والمحبّة والإلفة على درووب مسير اليوم ،وعلى دروب كلّ مسير بعون الله وتوفيقه.

ولأمير الشعراء أحمد شوقي أبياتاً في الوداع أحببت أن أذكرها لكم:

تَجَلَّدَ لِلرَحيلِ فَما اِستَطاعا == وَداعاً جَنَّةَ الدُنيا وَداعا
عَسى الأَيّامُ تَجمَعُني فَإِنّي == أَرى العَيشَ اِفتِراقاً وَاِجتِماعا

وفي الختام أردّد مع شوقي... أَرى العَيشَ اِفتِراقاً وَاِجتِماعا )

وأستودعكم الله، على أمل أن ألتقيكم في مسير قادم.. إن شاء الله.

سلمية في /15/7/2011/

الكاتب: حيدر حيدر