وداعا ً.. للصديق الأديب والشاعر باكير باكير..!!

ذهبي عدد الرسائل : 320 تاريخ التسجيل : 13/11/2008

وداعا ً.. للصديق الأديب والشاعر باكير باكير..!!

******************************************************************

اليوم وفي مأتم مهيب وبمزيد من الأسى والحزن ،ودّعت سلمية ابنها البار الأستاذ باكير باكير المكنّى( بأبي محمود)، الذي غيّبه الموت في دارته الواقعة بالمساكن الغربيّة، وكذلك ودع أصدقاء الفقيد صديقهم الرّاحل إلى مثواه الأخير، ولسان حالهم يشجو مع الشاعر خليل مطران وداع صديق له:

وِدَاعاً يَا صَدِيقاً إِنْ شَجَانَا == بِهَجْرٍ فَهْوَ بِالذِّكْرَى يَؤُوبُ

وبوداع الفقيد، ورحيله،ودّعت سلمية مرّبيا فاضلاً،وعلماً كبيراً من أعلام الأدب والثقافة والشعر والفنّ،إذ كان المرحوم بدراً نيّراً تطلّ إشراقته المعرفية في كلّ رحاب المراكز الثقافية،والجمعيات الأهليّة،والمنتديات الأدبية والثقافية في محيط مدينة سلمية وريفها..وبحكم علاقتي الوطيدة به في الآونة الأخيرة،وملازمتي له في معظم الأمسيات الثقافية التي كانت تشهدها صالات الثقافة في مدينتنا التي كان يحرص(رحمه الله) على الحضور فيها سواء أكان مشاركاً أو مستمعاً:،سألته يوما(رحمه الله):

لماذا لاتقاطع بعض تلك المنتديات ..؟؟أجابني (رحمه الله):إذا نحن قاطعناها ،فمن يحضر ويشارك..؟؟

يجب أن نظلّ نشجع في مدينتنا أيّ منهل من مناهل الثقافة..لأنّنا إذا توقفنا عن المشاركة والحضور ،حكمنا على مستقبل شبابنا بالأميّة الثقافية.

وبروح مكافحة،وعزيمة لاتلين،وبفكر وثاب،وعطاء لاينضب، ظلّ الصديق المرحوم باكير يناضل ويعطي في ميدان الثقافة، ولا يملّ العطاء، دون انتظار أجر أو مكافأة،وكأنّه بستان تنّوعت ثماره،وأينعت،وحان قطافها من قبل أيّ راغب أو زائر..!!

وإن نسيت لاأنسى ماقاله المرحوم لشاعرة شابة رافقتني في عيادتي له، في منزله أثناء مرضه قبل وفاته بأسبوعين،قال لها (رحمه الله)وهو يوصيها :لكي تكوني شاعرة مجيدة،عليك بضرورة المتابعة والقراءة والتثقيف الذاتي .ثم سرد لها تلك القصة التي تروي:

إنّ أعرابيا جاء يسأل شاعراُ ،كيف لي أن أصبح شاعرا مجيداً للشعر معروفا..؟؟

قال له اذهب لعام ، واحفظ ألف بيت من الشعر،فذهب الأعرابي وبعد مرور عام عاد إليه وقال له:لقد فعلت..فحفظت كثيرا من قصائد الشعر القديم.

عندها قال له: اذهب لعام.. وانساها كلّها..!!وبعدها عاد إليه وقال: لقد نسيتها.

عندها قال الشاعر للأعرابي:اذهب، واكتب الشعر،لقد أصبحت الآن تدرج على طريق الشعرً..!!

أنصتت مرافقتي بإمعان للقصّة التي رواها لها الرّاحل حينها، وشكرته على وصيّته الثمينة،ووعدت أن تعمل بفحواها.

ثم نظر الرّاحل إلى زوجته، وطلب منها أن تحضر من مكتبته مجموعة من نسخ دواوينه،ثم أخذ يذيّلها بتوقيعه، ويهديها للشاعرة الشابة مشجعاً إياها على متابعة نظم الشعر.وأعتقد أنّ تلك العبارات التي دوّنها ،هي آخر ماخطّه الرّاحل بقلمه..!!

ومن المؤكد أنّ ذكرى تلك الزيارة،ستبقى محفورة في وجداننا، صحيح أنّها ذكرى مؤلمة وحزينة لنا، ولكنّها غالية على قلوبنا، لأنها تلخص آخر لقاء جمعنا بالشاعر الراحل..(رحمه الله).

وفي رثائي لك أيّها الصديق الرّاحل،لابدّ أن أعرّج على تجربتك الشعرية التي أغنيتها خلال مشوارك الطويل،بثروة لغوية، وأدبية استقيتهما من كنوز آدابنا ولغتنا العربيّة الفصحى التي كنت تحبّها، وتتعصّب لفصاحتها وبلاغتها، حقاً، لقد كانت تجربة ثرّة وغنيّة،بما أضفيت عليها من فيض مشاعرك الصادقة،وأحاسيسك النّبيلة،وتجسدّت عظمة تلك التجربة من خلال أسلوبك الأدبي الذي تميّز بقوة ومتانة تراكيبك الشعرية، وصورك وعمود الشعر السائر على خطا الشعر التقليدي القديم،وكذلك بجزالة ألفاظك ومفرداتك المتناثرة في ثنايا قصائد دواوينك كالآلىء الثمينة، ولقد لخصّت ميزات تجربتك الشعرية من خلال قراءتي النّقدية لآخر ديوان أصدره الشاعر الرّاحل،وكان بعنوان خواطر قلم)ولقد جاء في مقدّمة تلك القراءة التي نشرتها على مواقع الكترونية عديدة،ومنها صفحات الفيسبوك مايلي:

"باكير ..باكير ،المعلّم الفاضل، والمرّبي الكبير،فارس الكلمة،ومبدع الصورة،وعازف النّغمة الوجدانيّة في شعره،والشاعر الذي غاص في بحور المعاني باحثاً عن لآلىءٍ، ودررٍ ثمينة في ديوانه الجديد(خواطر قلم)،

مزجها بعطر حبق سلمية،ولوّنها بألوان أزاهير ربيعها،وملأ كأس وجدانياته من رحيق كرومها،ونكهة رياحينها،من بابونج، وشيح نباتات سهولها، وبواديها .

باكير.. باكير، حمل يراعه،ولبس عباءة الشعر ،واتكأ بظلال عيرونة،ودبّج أجمل قصائد ديوانه الوجداني (خواطر قلم..)فكان له أن يتربّع سدّة الشعر،وأن تنحني له المعاني،وتنساب في متن قصائده جداول من مفرداته العذبة،وموسيقاه الهادئة،وصوره الشفافة،وكأنّك أمام رسّام يعبّر عن لواعجه بريشته، لا بقلمه،ولا عجب في ذلك..!! فقد عهدت (أبا محمود) يمارس هواية التعبير بالرّيشة، قبل التعبير بالقلم..!!

عرفت الأستاذ باكير..فارساً خاض كلّ المعارك، واعتلى صهوات الشعر،ورغم قسوة ما كابده من ضنك،وهول ما رآه ،وما صارعه، وقاتله من عادات سخيفة..وتقاليد بالية، إلا أنّه لم ييأس ،وظلّ يناضل بروح الشاعر الوثاب،وقلم الشاعر المتفائل ببزوغ فجر جديد ،يضيء دياجير الفكر، والجهل،ويطمح بقدوم غدٍ أكثر إشراقاُ، وألقاً، وبهاء..!!"

هذا ما قلته فيك وأنت حيّ بيننا،أما بعد غيابك الذي سيطول عنّا ،فليس لي أن أقول أكثر ماذكره الشاعر أحمد شوقي في رثاء حافظ ابراهيم بعد أن غاب عنه، كما غبت عنّا ياصديقنا الرّاحل الذي سنفتقده على الدوام:

قَد كُنتُ أوثِرُ أَن تَقولَ رِثائي == يا مُنصِفَ المَوتى مِنَ الأَحياءِ

أُنظُرُهُ فَأَنتَ كَأَمسِ شَأنُكَ باذِخٌ == في الشَرقِ وَاِسمُكَ أَرفَعُ الأَسماءِ

قَلَمٌ جَرى الحِقَبَ الطِوالَ فَما جَرى == يَوماً بِفاحِشَةٍ وَلا بِهِجاءِ

يَكسو بِمِدحَتِهِ الكِرامَ جَلالَةً == وَيُشَيِّعُ المَوتى بِحُسنِ ثَناءِ

وفي وداعك أضيف:

في ذمة الله ياصديقنا الرّاحل،تغمدّك الخالق (عزّ وجلّ) بواسع رحمته، وأسكنك فسيح جنّاته،وألهم ذويك، وأصدقائك الصبر والسلوان على رحيلك المفاجئ.

سلمية في /25/3/2012

الكاتب: حيدر حيدر

كلمات ورثاء يستحقهما الفقيد الكبير الأستاذ باكير.. له الرحمة ولأصدقائه وعائلته الصبر والسلوان...شكراً لك أستاذ حيدر مدّ الله لنا بعمرك

الرحمة للفقيد والعزاء لأهله ولمحبيه..